الجنوب اليمني | خاص
في خطوة تاريخية، اعترفت فرنسا رسميًا بمسؤوليتها عن اغتيال القائد الجزائري البارز العربي بن مهيدي في مارس 1957، أحد القادة التاريخيين الستة الذين أشعلوا شرارة ثورة التحرير الجزائرية في الأول من نوفمبر 1954.
وجاء هذا الاعتراف في بيان رسمي صادر عن قصر الإليزيه، حيث أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن “العربي بن مهيدي، البطل الوطني للجزائر، اغتيل على يد جنود فرنسيين كانوا تحت قيادة الجنرال بول أوسارس”.
وكانت الرواية الفرنسية الرسمية في ذلك الوقت تزعم أن بن مهيدي انتحر في زنزانته بعد اعتقاله خلال معركة الجزائر، إلا أن هذه الرواية دحضت عام 2001 با اعتراف الجنرال بول أوسارس نفسه بأن جنودًا فرنسيين قاموا بشنق بن مهيدي.
ويُعدّ العربي بن مهيدي رمزًا وطنيًا في الجزائر، ليس فقط لمقاومته الشرسة للاستعمار الفرنسي، بل لصموده البطولي أمام التعذيب.
كما يحظى بتقدير كبير من قبل النخب الفرنسية، بما في ذلك العسكرية منها، وفقًا لصحيفة “لوموند”.
“أهم زعيم لثورة الاستقلال الجزائرية”
وصف المؤرخ الفرنسي من أصل جزائري، بنجامين ستورا، العربي بن مهيدي بأنه “أهم زعيم لثورة الاستقلال الجزائرية الذي اغتالته الأجهزة الخاصة الفرنسية”.
وكان ستورا، الذي يرأس ملف الذاكرة بشأن حرب الجزائر من الجانب الفرنسي، هو من اقترح على الرئيس ماكرون إعادة تصحيح الحقيقة التاريخية حول اغتيال بن مهيدي.
وحتى الجنرال مارسيل بيجار، الذي كان على رأس الفوج الثالث من المظليين خلال معركة الجزائر، أشاد ببن مهيدي قائلاً: “حقاً كان هو الأعظم”.
تفاصيل الاغتيال
في 23 فبراير 1957، نجحت قوة كوماندوز فرنسية في اعتقال العربي بن مهيدي في العاصمة الجزائر، وبعد أيام من الاستجواب والتعذيب على يد الجنرال بيجار، تم تسليم بن مهيدي إلى العقيد بول أوسارس، الذي اغتاله شنقًا في مزرعة مهجورة في ضواحي العاصمة.
وفي عام 2001، اعترف أوسارس في كتابه “الأجهزة الخاصة، الجزائر 1955-1957” بأنه شنق العربي بن مهيدي، كما سرد تفاصيل هذا الاغتيال المروع في مقابلة مع صحيفة “لوموند” عام 2007.
ابتسامة بن مهيدي.. رمز للمقاومة
ولد العربي بن مهيدي في مدينة قسنطينة عام 1923، وانخرط في النضال السري ضد الاستعمار الفرنسي في سن مبكرة، وكان أحد القادة التاريخيين الذين خططوا وأطلقوا ثورة التحرير الجزائرية في 1 نوفمبر 1954.
اشتهر بن مهيدي بابتسامته التي أصبحت رمزًا للمقاومة والصمود في وجه الظلم، ولم تصدق عائلته رواية انتحاره، مؤكدة أن “شخصًا مؤمنًا مثله لا يمكنه أن ينهي حياته”.
اعتراف متأخر وخطوة نحو المصالحة
يأتي اعتراف فرنسا باغتيال العربي بن مهيدي بعد 70 عامًا من اندلاع ثورة التحرير الجزائرية، ويمثل خطوة هامة في مسار المصالحة بين البلدين، ويأمل الجزائريون أن يكون هذا الاعتراف فاتحة لمزيد من الشفافية و الكشف عن الحقيقة حول جرائم الاستعمار الفرنسي في الجزائر.