الجنوب اليمني | خاص
يوماً بعد يوم، تتفاقم معاناة المواطن اللحجي البسيط، بسبب تردي الخدمات، وغلاء المعيشة، اللذين أصبحا سمة بارزة في هذه المرحلة، في ظل غياب أي حلول من القائمين على السلطات المحلية الخاضعة لمليشيا الإنتقالي المدعومة إماراتيا.
وبينما يعيش المواطن اللحجي تحت خط الفقر، ويبذل جهداً كبيراً لتوفير لقمة العيش، ويفاضل بين الضروريات، تسمتع فئة بسيطة من الفاسدين بمعاناته، حيث تسيطر هذه الفئة على الموارد الشحيحة التي توردها المحافظة الواقعة شمال العاصمة عدن.
لحج الواقعة تحت سيطرة مليشيا الإنتقالي المدعومة إماراتياً منذ سنوات وهي في حال تردي وإنهيار من كل النواحي، إنسانياً، واجتماعياً، وخدماتياً.
وإذا تجاوزنا الملف الأسود لحقوق الإنسان في المحافظة وحجم الإنتهاكات الموثقة من قبل المنظمات المحلية والدولية، فإن ملف الخدمات الذي يمسّ كل المواطنين أصبح علامة فارقة ورمزاً واضحاً على فساد هذه الميليشيات التي تدير المحافظة بالحديد والنار والفساد.
قبل أيام فقط وصل محافظ المحافظة اللواء أحمد عبدالله التركي، عائداً من رحلة علاجية في دولة الهند، وبمناسبة عودته أقام مأدبة غداء كبيرة باذخة، دعا إليها المسؤولين والتجار وعقال الحارات ومشايخ القرى، حيث تم تقديم أفخر الأطعمة في المأدبة، ثم تناول الحضور نبتة القات، وقدموا التهاني للمحافظ، وحمدوا الله على سلامته، رغم أنهم جميعاً يعلمون أنه يوجد شعب خارج حدود هذه المأدبة، يئن من الجوع، ومواطنين بسطاء لا يستطيعون أن يطعموا أولادهم خبزاً يابساً، ويتجرعون أنواع متعددة من المعاناة.
في هذه المناسبة السعيدة لم يجرؤ أحد من الحاضرين الذين يفترض بهم تمثيل مجتمعهم على الحديث عن أزمة الكهرباء، والانقطاع الكامل للتيار الكهربائي منذ نهاية العام الماضي والذي ما يزال مستمراً بشكل كامل حتى ساعة إعداد هذا التقرير.
يتواجد في المحافظة، جوقة من المنتفعين والمطبلين، يقومون بتصوير حفلات التكريم التي تقيمها إدارة أمن المحافظة، ويعملون على تزييف الحقائق محاولين إقناع الشارع اللحجي أن ما يحدث تتسبب به جهات خارجية، وهو ما لم يعد ينطلي على أحد.
صوت مرتفع
مؤخرا ضاق الشارع اللحجي ذرعاً بسلطة الميليشيا، وتعالت أصواته، وأصبح قادراً على معرفة الحقيقة، بل والتعبير عنها بكل وضوح في الفضاء العام.
“الجنوب اليمني” رصد عدداً من الحسابات التابعة لأبناء المحافظة، والمواطنين البسطاء، ووثق حالة الإستياء الشعبي، والأصوات المرتفعة، والمطالبة بإصلاح الأوضاع، بل والدعوة إلى التحرك الشعبي العام لاقتلاع منظومة الفساد، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
يوم الأربعاء الموافق 8 يناير بدأ الشارع اللحجي بالنزول غاضباً، عبر الاحتجاج السلمي والمظاهرات الحاشدة التي جابت شوارع المحافظة، والتي تطورت حتى وصلت إلى قطع الطرقات وإحراق الإطارات، مما تسبب بحالة شلل في عاصمة المحافظة.
خارج السيطرة
تحدث لـ “الجنوب اليمني”، المواطن (ياسر العياضي) من أبناء قرية بيت عياض، وهو شاب يبلغ من العمر ٣٥ عاماً، قائلاً: “إن الوضع خرج عن السيطرة، فالمحافظة كلها بدون كهرباء منذ أكثر من عشرة أيام، والحالة المعيشية صعبة”.
ياسر متزوج وأب لثلاثة أطفال، قال إنه يجد صعوبة في توفير الاحتياجات الأساسية لهم بسبب غلاء المعيشة وصعوبة الحال، بينما توجد فئة من الناس استأثرت بالسلطة وعبثت بالمال العام، في فساد كبير لم يتم الكشف عنه بعد.
المواطن “علي الصماتي”، من أبناء مديرية الحوطة، قال: “إن وضع الكهرباء أصبح لا يحتمل، كانت المشكلة في الصيف كما يقولون هي زيادة الأحمال، لكننا الآن في فصل الشتاء والكهرباء مقطوعة بشكل كامل لفترة متواصلة لم يحدث مثلها في فصل الصيف.
تحدث “الجنوب اليمني”، في نزوله الميداني، إلى عدد من المواطنين وكلهم أبدوا تذمرا من هذا الوضع المتردي الذي أوصلتنا إليه ميليشيا الإنتقالي المدعومة إماراتياً حسب قولهم، وأغلب من تحدثوا إلينا رفضوا الكشف عن هوياتهم بسبب التبعات التي يمكن أن تلحق بهم، في ظل انعدام الأمن وانتشار الفساد، حتى أصبح المسؤولون الفاسدون يعتقلون من ينتقد فسادهم، وما جرى قريباً مع الناشط أبو مالك الشلن، والناشط أدهم الصماتي، خير دليل على فساد منظومة السلطة، سواء المنظومة الأمنية، أو منظومة الخدمات، أو حتى المنظومة القضائية، والتي تحاكم الناشطة هند العمودي بسبب كتاباتها.
الإعلامي عهد الخريسان القيادي في الإنتقالي لم يشفع له انتماؤه للمليشيا أبداً، بل تم رميه في السجن لمجرد أنه حاول انتقاد الوضع المعيشي على استحياء، ولم يخرج من السجن إلا بعد تقديم ضمانات وتعهدات بعدم انتقاد الفساد والمفسدين، بل إنه أصبح من جملة المطبلين للسلطة المحلية الفاسدة حالياً.
لم يسلم من السجن إلا من كانت له قبيلة تحميه، فهل سيكون التحرك الأخير تحركاً مدروساً، ومستمراً حتى تتحقق مطالب الشارع اللحجي، وحتى تزول سلطات الفساد، وينتهي حكم الميليشيا؟