الجنوب اليمني | خاص
من المفارقات الغريبة في هذا البلد المنكوب بحكومات فاسدة وتحالف غادر ورباعية تافهة هو هذا الحال العشوائي في كل شيء ، في السياسة والأمن والإقتصاد وكل حياة الناس.
في تعليق لاذع وصفت “أجاي بانغا” رئيسة البنك الدولي المشهد المالي في عدن بأنه مخيف إلى حد الكوميديا السوداء ، فالعاصمة الاقتصادية للحكومة اليمنية الشرعية تحترق اقتصادياً، بينما الحكومة بكل طاقمها من رئيسها إلى وزير ماليتها واقفون يتأملون الرماد بصمت مريب.
بانغا لم تترك أحداً من النقد حتى محافظ البنك المركزي نال نصيبه، إذ شبّهت إدارته للمؤسسة وكأنها “سوق خضار مركزي”، لا جهة مالية سيادية ، البنك الذي كان يوماً ما يُحترم دولياً، بات اليوم يترنح بلا ثقة ولا سمعة.
وأضافت، بلسان لا يخلو من السخرية، أن ما يحدث في عدن أقرب إلى لعبة “قمار”..
حيث تُخفض أسعار الصرف عمداً ليشتري “الخبراء الماليون” في الدولة العملات الأجنبية، ثم تُرفع لاحقاً ليحصدوا الأرباح، في مسرحية هزلية أبطالها مسؤولون تحولوا إلى صرّافين هواة..
هي لا تعلم ان قيادات الدولة سياسيين وعسكريين اغلبهم تجاراً ولديهم بنوك صرافة.
وختمت بانغا بدعوة عاجلة للتحالف العربي: تدخّلوا قبل أن يتحول البنك المركزي إلى كشك صرف عشوائي، وأرسلوا وفوداً مالية تنقذ ما تبقى، وتحمي المال العام من قراصنة الدولة الجدد، وتؤسس رقابة مالية بحجم الكارثة، لا بحجم طاولة خضار.
انخفاضاً ملحوظاً وسريعاً في أسعار العملات الأجنبية مقابل العملة الوطنية، بعد موجات متواصلة من الارتفاعات التي أرهقت الاقتصاد والمواطن على حد سواء ، هذا التراجع ظهر عشوائياً دون شواهد عافية طبيعية فلا البنك حصل على وديعة مالية ولا تعافت الاوعية الإيرادية ولا جرى تصدير النفط او الغاز..
فكيف حصل هذا التعافي إن لم يكن مقلباً كبيراً؟!
رأي المتفائلين:
بينما يرى اقتصاديون ان هذا التعافي للعملة الوطنية جاء نتيجة سلسلة من الإجراءات الحاسمة التي اتخذها البنك المركزي منذ أشهر، بدأ البنك المركزي تنفيذ مجموعة من الخطوات الإصلاحية الدقيقة، كان من أبرزها نقل البنوك من صنعاء إلى عدن، وسحب مفاتيح التحكم بالودائع البنكية، وفرض الربط الشبكي الكامل على البنوك وشركات الصرافة، بهدف مراقبة عمليات بيع وشراء العملات ومنع التلاعب بها.
وقال الصحفي الإقتصادي “محمد الجماعي” لـ “الجنوب اليمني” إنه خلال هذه العملية، اتضح للبنك أن عشرات من شركات الصرافة – بعضها يمتلك شبكات كبيرة من الفروع – ترفض الخضوع للربط الشبكي، وتعمل في المضاربة بالعملة، ما فتح الباب أمام ممارسات مكثفة استهدفت رفع أسعار العملات بشكل وهمي لتحقيق أرباح غير مشروعة.
وقد أعد البنك تقارير رسمية ورفعها إلى الحكومة، كما قدم نسخاً منها للجهات المانحة الدولية، وفي مقدمتها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، اللذان أرسلا وفداً مشتركاً لزيارة البنك والاطلاع على الإجراءات المتخذة ، ونتيجة لذلك، حظي البنك بدعم مباشر من المجتمع الدولي، الذي يُولي قضايا غسيل الأموال والتلاعب بالقطاع المالي أهمية بالغة..
ويضيف الصحفي الإقتصادي الجماعي : وبناءً على هذا الدعم، تم التوافق بين مجلس القيادة الرئاسي والحكومة والبنك المركزي على إعادة تفعيل كافة القرارات التي سبق تعليقها قبل عامين، مع استثناء مؤقت فقط للتحويلات إلى صنعاء ، منعاً للإضرار بالمواطنين هناك.
كما أصدر البنك المركزي قرارات بإيقاف وسحب تراخيص عدد من شركات الصرافة في مختلف المحافظات، بعد إنذارات متكررة، لا سيما أن بعض هذه الشركات تمتلك فروعاً واسعة وتلعب دوراً أساسياً في المضاربة والتلاعب بسوق الصرف.
وتجدر الإشارة إلى أن البنك المركزي توصل إلى أن الارتفاعات السابقة في أسعار الصرف كانت وهمية ولا تستند إلى طلب حقيقي ، والدليل على ذلك أن البنك كان يطرح في مزادات العملة الصعبة مبالغ تصل أحياناً إلى 50 مليون دولار، ومع ذلك لا يتم شراء سوى 12 مليون دولار منها أو أقل، مما يؤكد وجود تلاعب في السوق من قِبل أطراف معينة..
هذه المعطيات التي جمعها البنك على مدى عام ونصف، مكّنته من تشخيص مكامن الخلل بدقة، واتخاذ قرارات مدروسة بدعم دولي، شمل تحذيرات أوروبية وأمريكية للبنوك وشركات الصرافة من مغبة تجاهل التوجيهات والإصلاحات، ولوّحت بفرض عقوبات مالية في حال عدم الالتزام.
لذلك، فإن الهبوط السريع في أسعار العملات جاء نتيجة طبيعية لهذه الحزمة من الإجراءات الصارمة، تمامًا كما كان الارتفاع الأخير نتيجة لممارسات مضاربة وهمية.