الجنوب اليمني | خاص
كانت رحلة دونالد ترامب إلى المملكة العربية السعودية الشهر الماضي مليئة بالمراسم والبذخ المتوقعين من زيارة رسمية إلى المملكة، حيث استُقبل بحرس شرف يمتطون الخيول ومآدب فاخرة في قصور فارهة، لكن شخصًا واحدًا كان غائبًا بشكل ملحوظ: إنه الملك سلمان نفسه.
كان ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، هو من استقبل الرئيس الأمريكي، وأخذه في جولات على مشاريع تطويرية ضخمة، كما ترأس قمة إقليمية في العاصمة السعودية مع تراجع ظهور الملك سلمان العلني بسبب تقدمه في السن (89 عامًا).
كانت الرحلة بمثابة تأكيد – إن احتاج الأمر – على القيادة المطلقة للأمير محمد للمملكة، حيث يبدو أن الأمير البالغ من العمر 39 عامًا في طريقه المؤكد إلى العرش بعد وفاة والده، وذلك بعد مرور ثماني سنوات على صعوده الدراماتيكي الذي قلب تقاليد المملكة رأسًا على عقب، ويبدو وبالنظر إلى سنه، قد يحكم محمد بن سلمان بلاده لعقود قادمة.
لكن غياب خليفة واضح له خلق ما يُعرف بـ “مخاطر الرجل الواحد”، بحسب ديفيد راندل، الرئيس السابق للبعثة الدبلوماسية الأمريكية في السعودية، مشيرًا إلى تركيز السلطة في يديه ودوره المحوري في قيادة فترة من الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية الجذرية – لكنها غير مكتملة – ضمن خطته “رؤية 2030” التي هزت دعائم المجتمع المحافظ.
ويقول راندل، مؤلف كتاب رؤية أم سراب: السعودية عند مفترق طرق: “هناك رجل واحد يدير الأمور، ولا أحد يعرف ما الذي سيحدث إذا رحل” ويضيف “ليس عليك أن تجد شخصًا آخر ليجلس على العرش فحسب، بل عليك أن تجد من يمكنه مواصلة ما يحدث حاليًا، وهذا يمثل مشكلة محتملة”.
لكن برنارد هيكل، أستاذ دراسات الشرق الأدنى في جامعة برينستون، قال إنه في حال أصبح محمد بن سلمان ملكًا، فقد يُعلن عن ولي عهده في اليوم نفسه أو بعده بفترة وجيزة، “وأعتقد أن هذا جزء من الخطة”.
وأضاف: “إنه أمر ناقشه بالتأكيد مع شخصيات بارزة من العائلة المالكة”، موضحًا: “السبب في أنه لم يُعلن عن ذلك بعد غير واضح. هناك درجة من الغموض بشأن من سيكون ولي العهد المقبل، لكنها ليست مصدرًا لعدم استقرار هيكلي”.
ويُفترض أن يكون الخليفة القادم من نسل الملك عبد العزيز مباشرة، الذي أنجب ما لا يقل عن 36 ابنًا، ومع ذلك، يُعتقد أن عددًا قليلًا فقط منهم أو من نسلهم يملكون مسارًا واقعيًا نحو العرش.
عندما يتكهن السعوديون بمن قد يختاره محمد بن سلمان، الذي يُعتقد أن لديه ثلاثة أبناء ذكور وابنتين، يشير البعض إلى شقيقه الأصغر الأمير خالد، وزير الدفاع البالغ من العمر 37 عامًا، لكن في الوضع الحالي، لا يمكن تعيين الأمير خالد وليًا للعهد لأن النظام الأساسي للحكم في السعودية، الذي يُعد بمثابة الدستور، ينص على أنه لا يمكن أن يكون الملك وولي العهد من نفس الفرع من نسل الملك عبدالعزيز، ويملك الملك صلاحية تعديل هذا القانون، لكن عملية الخلافة، نظريًا، يجب أن تحظى بموافقة مجلس من كبار أفراد العائلة المالكة.
ومن بين الأسماء الأخرى المطروحة الأمير تركي بن محمد بن فهد، حفيد الملك فهد، والذي يُعتبر من الأوفر حظًا بحسب مراقبي الشأن السعودي، إذ يشغل منصب وزير دولة ومستشار بالديوان الملكي، ويتولى إدارة العلاقات السعودية مع جيرانها في الخليج.
وهناك اسم آخر هو الأمير عبد الله بن بندر، وزير الحرس الوطني القوي، رغم أنه ينحدر من فرع أقل بروزًا في الأسرة، حيث إن والده، وهو أيضًا ابن للملك عبد العزيز، لم يشغل أي منصب رفيع.
ويقول أحد السعوديين، ممن ناقشوا مسألة الخلافة مع أصدقائهم: “الكثير من الناس قلقون بشأن هذه القضية…من سيخلف محمد بن سلمان؟”
لكن النقطة الجوهرية في حالة عدم اليقين – والتي تُهمس بها فقط في الدولة ذات الحكم الاستبدادي – تتعلق بالسؤال: من سيكون في الخط لخلافة محمد بن سلمان، المعروف اختصارًا بـ”م ب س”، في حال حدث له مكروه؟
لقد أدى صعود محمد بن سلمان إلى واحدة من اللحظات النادرة، منذ تأسيس الدولة السعودية الحديثة عام 1932 على يد جده الملك عبد العزيز، التي لا يوجد فيها ترتيب واضح للخلافة، إذ لم يُعيّن ولي لولي العهد، وهو الخليفة الطبيعي لولي العهد، كما لم يُعيّن نائب لرئيس الوزراء.
ويعد الجدل الدائر بشأن مسألة الخلافة مثالًا على الكيفية التي تم بها اختبار التقاليد السعودية مرارًا وتكرارًا منذ اعتلاء الملك سلمان العرش قبل عقد من الزمان، وترويجه السريع لنجله محمد بن سلمان، الذي يشغل أيضًا منصب رئيس الوزراء.
ويقول خبير آخر في الشأن السعودي، طلب عدم الكشف عن اسمه بسبب حساسية الموضوع، إن غياب خليفة واضح يُعدّ بمثابة “عمى سياسي غريب في هيكل محمد بن سلمان”، مضيفًا أن “من نقاط القوة الدائمة لأقوى الحكام السعوديين أنهم كانوا يملكون إخوة وأبناء عمومة يشكلون طاقمهم المساعد”.
وأضاف الخبير: “الخلافة ليست مجرد مسألة مستقبلية، بل هي عنصر مهم في تأثيرك ونفوذك في الحاضر. لا يهم مدى موهبتك أو قوتك، فحتى أكثر الحكام صرامة… يضعون نائبًا ليخلفهم، وهذا هو جوهر النظام العائلي.”
كانت وراثة العرش في السعودية ولأكثر من ستة عقود بعد وفاة الملك عبد العزيز عام 1953، تنتقل من ابن مسنّ إلى آخر من أبنائه، وفي بعض الأحيان تغيّر ولي العهد في منتصف العهد – إذ توفي اثنان أثناء توليهم المنصب، وتنازل أحدهم، وتمت الإطاحة باثنين آخرين – وكانت القصور تعج دومًا بالإشاعات والمكائد حول من يصعد ومن يتراجع.
لكن الملك سلمان – أحد آخر أبناء الملك عبد العزيز الأحياء – خالف التقاليد بعد وقت قصيره من توليه الحكم في عام 2015 ونقل السلطة إلى الجيل الأصغر، بتعيين ابن أخيه الأمير محمد بن نايف وليًا للعهد.
غير أن محمد بن نايف، المعروف اختصارًا بـ “م ب ن”، تبيّن لاحقًا أنه لم يكن سوى مرحلة انتقالية لصالح محمد بن سلمان، الذي كان يُنظر إليه بالفعل باعتباره القوة الصاعدة في المملكة، والذي أطاح به فجأة عام 2017 عندما كان عمره 31 عامًا فقط، في خطوة وصفها المنتقدون بأنها “انقلاب داخل القصر”.
أما الخصوم المحتملون داخل الأسرة المالكة فقد تم إسكاتهم منذ وقت طويل – إذ يخضع محمد بن نايف للإقامة الجبرية في القصر منذ ما لا يقل عن خمس سنوات.
ومع الدعم السياسي الحاسم الذي وفره له والده – المعروف بانضباطه داخل الأسرة – بدأ محمد بن سلمان في ترسيخ قبضته وتكريس السلطة حول شخصه، وقد اعاد تأهيل صورته دوليًا بعد تجاوزه أخطر أزماته – وهي الإدانة العالمية التي أعقبت جريمة قتل جمال خاشقجي الوحشية على يد عملاء سعوديين في إسطنبول عام 2018.
ويعترف منتقدوه حتى بأنه يحظى بدعم واسع داخل المملكة، بفضل مرحلة التحول التي يقودها بنفسه، ويقول ديفيد راندل: “من مصلحته السياسية المباشرة ألا يختار أحدًا الآن، ولا أعتقد أنه من النوع الذي يريد شريكًا. إنه من يتخذ كل القرارات.”
أما برنارد هيكل فيقول إن مسألة الخلافة “تُظهر أن الملك يتمتع بسلطة مطلقة فعلًا، ويمكنه الاكتفاء بالشكل الرسمي للنظام القائم، ثم يختار في النهاية من يشاء”، وأضاف: “إنه ديوان ملكي بالمعنى الشكسبيري… ديوان مليئ بالشائعات والمكائد”.