الجنوب اليمني | خاص
جنوب اليمن، الذي كان يومًا عنوانًا للتوق إلى الكرامة والحرية، بات اليوم رهينةٌ لدى سلطة أمنية تتغذى على القمع، وتُحكم قبضتها بمليشيات لا تعرف من الدولة إلا البزة العسكرية ومن الحكم إلا العصا الغليظة..
المجلس الانتقالي منذ لحظة استيلائه على مفاصل القوة في عدن وبعض المحافظات الجنوبية حوّل الأجهزة الأمنية والعسكرية إلى أدوات بطش ضد كل راي سلمي وصوت جائع ومطالب حقوقية.
الجنوب اليوم لا يعاني فقط من تدهور الخدمات، بل من تدهور الكرامة والحرية والعدالة.
▫️تضخم أمني وعسكري بلا مشروع دولة
تضخمت تشكيلات المجلس الانتقالي أمنياً وعسكريًا، وبدلًا من أن تتحول هذه القوى إلى حامٍ للمواطن وركن من أركان بناء الدولة، تحوّلت إلى ماكينة إنتاج للرعب، وقوة بطش لا وظيفة لها إلا قمع المجتمع وسحق أي صوت معارض.
لم تُبنَ المدارس، لم تُعبد الطرق، لم تُصرف المرتبات.. ولكن تضخمت ألوية الصاعقة، وتوسعت معسكرات الدعم والإسناد، وارتفعت ميزانيات الحزام الأمني على حساب رغيف المواطن.
إن هذا التضخم في الأجهزة الأمنية والعسكرية دون مشروع تنموي أو خدماتي حول القوة المسلحة إلى أداة لإنتاج الأزمات، وماكينة للترويع الداخلي أكثر مما هي درع لحماية المحافظات الجنوبية.
▫️قمع ممنهج لأي صوت معارض
لا يختلف سلوك المجلس الانتقالي القمعي عن سلوك اي ميليشيا ليس لديها مشروع سوى البطش والتنكيل.. فالقوة وحدها هي الحَكم، والتنكيل هو الرد الدائم على أي معارضة، حتى لو كانت بصوت منخفض أو منشور في وسائل التواصل الاجتماعي.
مظاهرة تطالب بالكهرباء؟ الرد: رصاص حي..
منشور ينتقد الفساد؟ الرد: اعتقال قسري.
تسجيل صوتي يُبدي تململًا؟ الرد: مداهمة منزل وسحل علني.
لم يعد المواطن الجنوبي آمنًا لا في بيته، ولا في هاتفه، ولا حتى في صمته،
لأن “الاشتباه” صار تهمة، و”الانتقاد” صار خيانة.
▫️السجون.. مقابر صوتية وحقول تعذيب
السجون التابعة للمجلس الانتقالي تحولت إلى مناطق سوداء خارج القانون، حيث يُعتقل الإنسان دون تهمة، ويُخفى دون محاكمة، ويُعذّب حتى الموت أحيانًا، دون أن يُسأل عنه أحد.
▫️من أبرز السجون سيئة السمعة:
_سجن قاعة وضاح بعدن: مقر جهاز مكافحة الإرهاب، لكنه أصبح جهاز مكافحة الرأي.
_سجن بئر أحمد: تقارير أممية وثّقت وجود حالات إخفاء وتعذيب فيه.
_سجون الحزام الأمني في يافع وزنجبار: حيث الاختفاء القسري سياسة لا استثناء.
معتقلات الصاعقة ومصلح الذرحاني: أماكن يتحول فيها الإنسان إلى رقم، والصراخ إلى لغة لا أحد يترجمها.
هذه السجون تظل شاهدة على جرائم بشعة
_المقدم “علي عشال الجعدني” : ضابط اختُطف على يد قوة أمنية تابعة للانتقالي، ولا يزال مصيره مجهولًا حتى اليوم.
_أنيس الجردمي: خرج من سجون الانتقالي جثةً منهكة من التعذيب، شاهدًا على موت الضمير الرسمي.
_القهبي: ناشط جنوبي اختُطف ثم قُتل وسُحل في الشوارع، فقط لأنه رفع صوته ضد فساد السلطة.
_الأغبري والنمري وزكريا قاسم : قائمة طويلة من الأسماء التي تحولت من حياة إلى صمت، ومن وجوه إلى صور على الجدران، ومن مواطنين إلى أرقام في سجلات الغياب القسري.
▫️غياب الخدمات.. وقوة القهر تحكم الفراغ
بينما تتضخم المعسكرات وتُشيد أبراج الحزام الأمني، يعاني الناس في عدن والمكلا وأبين من:
_انقطاع الكهرباء لأيام متواصلة..
_أزمة مياه قاتلة في أحياء سكنية بأكملها
_انهيار في قطاع التعليم والصحة
_فساد إداري ومالي مستشري في كل مؤسسة خدمية
_نهب للأراضي والمتنفسات العامة
لكن بدل أن يخرج المجلس الانتقالي للاعتذار، يخرج بالمدرعات،
وبدل أن يواجه الناس بالخدمات، يواجههم بالقنابل المسيلة للدموع… ثم الرصاص الحي إن لزم الأمر.
▫️توثيق حقوقي صارخ.. هل يسمع العالم؟
هيومن رايتس ووتش، العفو الدولية، مبادرة عدالة لليمن، والتحالف اليمني لرصد الانتهاكات ، جميعها أكدت ارتكاب قوات الانتقالي لانتهاكات جسيمة تشمل:
_الإخفاء القسري
_التعذيب حتى الموت
_الاحتجاز خارج القانون
_استخدام القوة المفرطة ضد مظاهرات سلمية
_قمع الصحفيين والنشطاء والمواطنين
ولكن رغم التوثيق، لم يتحرك العالم كما يجب،
وكأن الدم الجنوبي لا يستحق أن يُدرج على طاولات المحاسبة الدولية.
▫️الجنوب بين مطرقة القمع وسندان الصمت
أيها الناس..
إن الجنوب لا يُعذب فقط في السجون.. بل يُعذب في الذاكرة.
يُجلد في صمت المثقف، ويُغتال في حياد الحقوقي، ويُدفن في تواطؤ السياسي.
المجلس الانتقالي لم يصنع دولة، بل شيّد مملكة خوف داخل جمهورية مقهورة.
لم يحمِ الجنوب، بل اختطفه من ناسه، وصادر حريته، وأخضعه لقانون الصمت والحديد والنار.
نداء ضمير: لا تصمتوا.. فالصمت شراكة في الجريمة
يا أحرار الجنوب.. يا دعاة الحق.. يا أنقياء الضمير في هذا العالم:
لا تبيعوا حرية الإنسان في سوق المصالح
لا تتركوا المعتقل يصرخ وحيدًا
لا تسمحوا لجلاد يرتدي البدلة أن يسحق الصوت لأنه فقط… صوت
إن لم نصرخ الآن، فمتى؟
وإن لم نحاسب الجلاد، فمن؟
وإن لم نؤمن أن الجنوب لا يُبنى بالسجون بل بالعدالة.. فبماذا نؤمن؟
▫️الختام:
لا صوت يعلو فوق صوت الحرية
إن كانوا يقولون:
“لا صوت يعلو فوق صوت الانتقالي”
فنحن نقول:
لا صوت يعلو فوق صوت الإنسان حين يُقهَر، ولا راية ترفرف فوق راية العدل حين يعود.