الجنوب اليمني | خاص
توصلت وكالات الاستخبارات الأميركية التي تراقب الأنشطة العسكرية الإسرائيلية والمناقشات داخل القيادة السياسية في إسرائيل إلى استنتاج لافت بحلول نهاية الشهر الماضي:
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كان يُخطط لشن هجوم وشيك على البرنامج النووي الإيراني، سواء بمشاركة الولايات المتحدة أو بدونها.
كان نتنياهو على مدى أكثر من عقد يحذر من أن هناك حاجة ماسة لهجوم عسكري كاسح قبل أن تصل إيران إلى مرحلة يمكنها فيها بناء سلاح نووي بسرعة، لكنه كان يتراجع دائمًا بعد أن أبلغه رؤساء أميركيين عدة، يخشون عواقب اندلاع حرب جديدة في الشرق الأوسط، بأن الولايات المتحدة لن تدعمه في مثل هذا الهجوم.
لكن هذه المرة، أظهرت التقديرات الاستخباراتية الأميركية أن نتنياهو لا يستعد لضربة محدودة تستهدف المنشآت النووية فقط، بل لهجوم أوسع بكثير قد يُعرض النظام الإيراني ذاته للخطر — وأنه مستعد للمضي قدمًا بمفرده.
ووضعت هذه المعلومات الاستخباراتية الرئيس دونالد ترامب أمام خيارات صعبة، فقد كان قد استثمر جهوده في مسار دبلوماسي لإقناع إيران بالتخلي عن طموحاتها النووية، وكان قد رفض بالفعل في شهر أبريل محاولة سابقة من نتنياهو لإقناعه بأن الوقت قد حان لتوجيه ضربة عسكرية لإيران.
وحذر ترامب مرة أخرى الزعيم الإسرائيلي في مكالمة هاتفية متوترة أواخر مايو، من تنفيذ هجوم أحادي من شأنه أن يجهض المسار الدبلوماسي.
لكن خلال الأسابيع القليلة الماضية، أصبح من الواضح بشكل متزايد لمسؤولي إدارة ترامب أنهم قد لا يكونون قادرين على إيقاف السيد نتنياهو هذه المرة، وفقًا لمقابلات أُجريت مع شخصيات رئيسية شاركت في مداولات الإدارة حول كيفية الرد، وأشخاص مطلعين على تفكيرهم.
كما بدأ الرئيس ترامب يفقد صبره تجاه إيران بسبب بطء وتيرة المفاوضات، وبدأ يقتنع بأن هذه المحادثات قد لا تؤدي إلى أي نتيجة.
وعلى عكس ما زعمته إسرائيل، لم يكن لدى كبار مسؤولي الإدارة أي معلومات استخباراتية جديدة تشير إلى أن الإيرانيين كانوا يسرعون لبناء قنبلة نووية — وهو ما قد يُبرر ضربة استباقية، لكن بعد أن أدركوا أنهم على الأرجح لن يتمكنوا من ردع نتنياهو، وأنهم لم يعودوا من يوجه مجريات الأمور، بدأ مستشارو ترامب بدراسة البدائل.
وكان أحد الخيارات المطروحة هو التراجع وترك الأمور تأخذ مجراها، ثم اتخاذ قرار بشأن الخطوات التالية بعد أن يتضح مدى الضرر الذي لحق بإيران جراء الهجوم، وفي الطرف الآخر من الطيف، كان هناك خيار الانضمام إلى إسرائيل في الهجوم العسكري، وربما إلى حد السعي لتغيير النظام في إيران.
لكن ترامب اختار طريقًا وسطًا، فقد عرض دعمًا استخباراتيًا أميركيًا لم يُكشف عن طبيعته بعد لمساعدة إسرائيل في تنفيذ الهجوم، ثم تصعيد الضغط على طهران لإجبارها على تقديم تنازلات فورية على طاولة المفاوضات، أو مواجهة استمرار الهجوم العسكري.
بعد خمسة أيام من بدء الهجوم الإسرائيلي، لا يزال موقف الرئيس ترامب يتقلب بشكل مستمر. فقد تبرأت الإدارة في البداية من الضربات، ثم بدأت في إظهار دعم علني أكبر مع اتضاح نجاح إسرائيل العسكري في المراحل الأولى من العملية.
والآن، ينظر ترامب بجدية في إرسال طائرات أميركية للمساعدة في تزويد المقاتلات الإسرائيلية بالوقود جواً، وللمشاركة في محاولة تدمير المنشأة النووية الإيرانية العميقة تحت الأرض في “فردو” باستخدام قنابل تزن 30 ألف رطل — وهي خطوة تمثل تحولاً مذهلاً عن معارضته لأي عمل عسكري قبل شهرين فقط، عندما كان لا يزال هناك أمل في التوصل إلى حل دبلوماسي.
تفاصيل ما أدى إلى الضربة تمثل هي قصة زعيمين، ترامب ونتنياهو، يشتركان في هدف واحد — وهو منع إيران من الحصول على قنبلة نووية — لكنهما لا يثقان تمامًا بدوافع بعضهما البعض.
إنهما يتحدثان علنًا في كثير من الأحيان عن روابطهما السياسية والشخصية القوية، ومع ذلك، فإن العلاقة بينهما لطالما شابها التوجس وانعدام الثقة.
وتُظهر مقابلات مع نحو عشرين مسؤولاً في الولايات المتحدة وإسرائيل ومنطقة الخليج كيف أن ترامب تردد لأشهر بشأن كيفية التعامل مع اندفاع نتنياهو، وإن كان ينبغي احتواؤه، في أول أزمة سياسة خارجية يواجهها خلال ولايته الثانية، محاطًا بفريق من المستشارين قليلي الخبرة تم اختيارهم بناءً على ولائهم له.
وابلغ ترامب أحد حلفائه السياسيين هذا العام أن نتنياهو يحاول جرّه إلى حرب جديدة في الشرق الأوسط — من النوع الذي تعهد خلال حملته الانتخابية العام الماضي بإبقاء أميركا بعيدة عنه، لكنه في الوقت نفسه بدأ يعتقد أن الإيرانيين كانوا يخدعونه في المفاوضات الدبلوماسية، تمامًا كما فعل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أثناء سعي ترامب إلى وقف إطلاق نار واتفاق سلام في أوكرانيا.
وعندما اختارت إسرائيل الحرب، تقلب موقف ترامب بين التشكيك في جدوى الارتباط الوثيق بنتنياهو، والتوجه تدريجياً نحو الانضمام إليه في تصعيد دراماتيكي للنزاع متجاهلاً الرأي السائد بأن لا تهديد نووي وشيك صادر عن إيران في الوقت الراهن.
وبينما كان يهرع عائدًا إلى واشنطن صباح الثلاثاء من قمة مجموعة السبع في كندا، اعترض الرئيس ترامب على جزء من الشهادة العلنية التي أدلت بها تولسي غابارد، مديرة الاستخبارات الوطنية، والتي قالت فيها إن المجتمع الاستخباراتي لا يعتقد أن إيران تقوم فعليًا ببناء أسلحة نووية، رغم استمرارها في تخصيب اليورانيوم الذي يمكن استخدامه لاحقًا لصنع ترسانة نووية، وقال ترامب للصحفيين: “لا يهمني ما قالته، أنا أعتقد أنهم كانوا قريبين جدًا من امتلاكها”.
أما بالنسبة لنتنياهو، فقد شهدت الأشهر القليلة الماضية نهاية لسنواتٍ من محاولاته إقناع الولايات المتحدة بدعم أو على الأقل التغاضي عن رغبته المستمرة في توجيه ضربة قاصمة لبرنامج إيران النووي، ويبدو أنه أدرك، بشكل صحيح، أن ترامب في نهاية المطاف سيلتحق بركب تلك الرغبة، ولو على مضض.
لقد كشفت هذه الأزمة أيضًا الانقسامات داخل حزب ترامب نفسه، بين من يميلون إلى الدفاع التلقائي عن إسرائيل — الحليف الأقرب لأميركا في المنطقة — وبين من يُصرّون على منع انغماس الولايات المتحدة أكثر في دوامة العنف في الشرق الأوسط.
وفي المنتصف كان ترامب، مصممًا على منع إيران من امتلاك قنبلة نووية، لكنه ممزق بين رغبته في الظهور بصورة القائد القوي، وبين العواقب الاستراتيجية والسياسية المحتملة لأي تصعيد عسكري ضد إيران.
وعند طلب التعليق، أشار متحدث باسم البيت الأبيض إلى التصريحات العلنية التي أدلى بها ترامب والتي أكد فيها أنه “لن يسمح لإيران بامتلاك سلاح نووي.”
♦“أعتقد أننا قد نضطر لمساعدته”
عندما اجتمع ترامب مع كبار مستشاريه في منتجع “كامب ديفيد” الرئاسي مساء الأحد، 8 يونيو، لمراجعة الوضع المتطور بسرعة، قدّم مدير وكالة الاستخبارات المركزية، جون راتكليف، تقييمًا صريحًا وقال، وفقًا لشخصين مطلعين على الإحاطة تحدثا بشرط عدم الكشف عن هويتهما بسبب سرية الاجتماع، إنه من المرجح جدًا أن إسرائيل ستوجه ضربة لإيران قريبًا، سواء شاركت الولايات المتحدة أم لا.
وجلس الرئيس على رأس الطاولة في قاعة اجتماعات خشبية داخل “لوريـل لودج”، ولم تكن هناك عروض تقديمية، وإنما خرائط أعدّها رئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال دان كاين الذي شرح هو وراتكليف توقعاتهما بشأن هجوم إسرائيلي وشيك على مدار ساعتين ونصف، ولم تحضر السيدة غابارد الاجتماع لأنها كانت في مهمة مع الحرس الوطني خلال ذلك الأسبوع.
وكان مستشارو ترامب قد بدأوا التحضير لهذه اللحظة منذ أواخر مايو، عندما وصلت إليهم معلومات استخباراتية مقلقة تشير إلى أن إسرائيل ستمضي قدمًا في شن هجوم كبير على إيران بغض النظر عن المسار الدبلوماسي الذي يحاول ترامب اتباعه مع طهران.
واستنادًا إلى تلك المعلومات، شجع نائب الرئيس جاي دي فانس، وماركو روبيو — الذي يشغل منصبي وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي — الجهود من اجل إعداد مجموعة من الخيارات لعرضها على الرئيس، كي يكون قادرًا على اتخاذ قرارات سريعة بشأن مدى مشاركة أميركا في العملية إذا لزم الأمر.
وبناءً على ذلك، كثف راتكليف جهود جمع المعلومات الاستخباراتية، وخلال الأسبوعين السابقين لاجتماع كامب ديفيد، عقد كبار مستشاري ترامب اجتماعات متكررة للتوافق حول قائمة الخيارات المحتملة التي يمكن طرحها.
في اليوم التالي لاجتماع كامب ديفيد، يوم الإثنين 9 يونيو، اتصل ترامب برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وكان الأخير حاسماً وواضحاً: المهمة ستبدأ.
ووفقاً لثلاثة أشخاص مطلعين على المكالمة، فقد عرض نتنياهو نواياه على مستوى رفيع، موضحاً أن لإسرائيل قوات على الأرض داخل إيران.
انبهر ترامب بذكاء التخطيط العسكري الإسرائيلي. لم يقدّم أي التزامات خلال المكالمة، لكنه قال لمستشاريه بعدها: «أعتقد أننا قد نضطر لمساعدته».
ومع ذلك، كان الرئيس في حيرة بشأن الخطوة التالية، وظل يسأل مستشاريه طوال الأسبوع حيث كان يريد أن يدير الملف الإيراني وفق شروطه هو، لا شروط نتنياهو، وكان يؤمن بقدراته التفاوضية. لكنه بدأ يعتقد أن الإيرانيين يماطلونه.
لم يكن ترامب يعتقد أن بإمكان أمريكا التعايش مع إيران تمتلك سلاحاً نووياً على عكس بعض أعضاء جناحه المناهض للتدخلات الخارجية، وكان يتفق مع نتنياهو بأن إيران تشكل تهديداً وجودياً لإسرائيل، وقال لمساعديه إن نتنياهو سيفعل ما يلزم لحماية بلاده.
♦المسار الدبلوماسي
بدأت إسرائيل بالتحضير لهجوم على إيران في ديسمبر، بعد تدمير حزب الله (وكيل إيران) وانهيار نظام الأسد في سوريا، مما فتح المجال الجوي لحملة قصف.
زار نتنياهو البيت الأبيض لأول مرة في الولاية الثانية لترامب في الرابع فبراير، وقدم له جهاز نداء مطلياً بالذهب، ولـ فانس جهازاً مطلياً بالفضة — وهما نفس النوع من الأجهزة التي خبأ فيها الإسرائيليون متفجرات وباعوها لعملاء من حزب الله دون علمهم، مما أدى لاحقاً إلى إصابتهم أو مقتلهم في هجوم مدمر بتحكم عن بعد. (قال ترامب لاحقاً لأحد حلفائه إن الهدية أزعجته).
وقدّم نتنياهو عرضاً لترامب حول إيران داخل المكتب البيضاوي، مستخدماً صوراً لمواقع نووية متعددة داخل إيران.
وأظهرت الاستخبارات الإسرائيلية أن إيران كانت تتقدم نحو سلاح نووي بأساليب أكثر بدائية لكن أسرع، وكلما ضعفت، اقتربت أكثر من القنبلة، وفيما يخص تخصيب اليورانيوم، كانت إيران على بعد أيام من الوصول إلى المستوى المطلوب، لكنها لا تزال بحاجة إلى مكونات أخرى لاستكمال السلاح.
وقدم الإسرائيليون حجة إضافية لترامب: إذا كنت تريد للدبلوماسية أن تنجح، فعليك الاستعداد لضربة، كي يكون هناك قوة حقيقية خلف التفاوض، وكانوا يخشون سراً أن يقبل ترامب باتفاق ضعيف مع إيران، على غرار اتفاق 2015 الذي وقعه الرئيس أوباما، ثم يعلن النصر.
وأبلغ نتنياهو ترامب أن الإيرانيين سيتمكنون من إعادة بناء دفاعاتهم الجوية التي دمرتها إسرائيل في هجوم أكتوبر، ما أضاف إلى شعور الإلحاح.
عيّن ترامب بعد فوزه في انتخابات نوفمبر، صديقه المقرب ستيف ويتكوف مبعوثاً له في الشرق الأوسط، وكلفه بمحاولة التوصل إلى اتفاق مع إيران، وكان ترامب، المنتخب على أساس وعود بتجنب التورط العسكري في الخارج، متحمساً لفكرة الحل الدبلوماسي.
كانت إيران ترسل إشارات عبر عدة دول لفتح مسار دبلوماسي مع الإدارة الجديدة منذ بداية الإدارة، ثم قام ترامب بخطوة دراماتيكية: أرسل رسالة إلى المرشد الإيراني الأعلى، آية الله علي خامنئي.
وفي أوائل مارس، كان ترامب يتباهى برسالته “الجميلة” للمرشد، سواء في المكتب البيضاوي أو على متن طائرة الرئاسة، وقال أحد الزوار، الذي سمع نسخة منها بصوته، إن الرسالة كانت تقول أساساً: “لا أريد الحرب.. لا أريد أن أمحوكم عن الخريطة.. أريد اتفاقاً”
كان ترامب يدرك أنه يخوض منطقة سياسية محفوفة بالمخاطر، فمسألة إسرائيل وإيران كانت أكثر المواضيع التي تشق صفوف مؤيديه، حيث اصطدم الجناح المناهض للتدخل بقيادة شخصيات إعلامية مثل تاكر كارلسون، مع المحافظين المعادين لإيران مثل مارك ليفين.
لكن داخل إدارته، ورغم كل الجدل الخارجي عن “صقور إيران” و”الحمائم”، لم تكن الانقسامات الأيديولوجية مهمة كما كانت في ولايته الأولى، حين كان وزراء مثل جيم ماتيس (الدفاع) وريكس تيلرسون (الخارجية) يرون ترامب متهوراً ويعملون على كبح جماحه.
هذه المرة، لم يكن هناك أحد من فريق ترامب الرفيع يلعب هذا الدور فالفريق الجديد عموماً دعم حدس الرئيس وسعى لتنفيذه. كانت هناك اختلافات بالرأي، بلا شك، لكنها نادراً ما تحولت إلى صراعات حادة حول سياسة إيران.
كان ماركو روبيو ووزير الدفاع بيت هيغسيث يميلان إلى دعم رؤية الرئيس، حتى لو أن هيغسيث — الذي يتمتع بعلاقة وثيقة مع نتنياهو — كان يثق بالإسرائيليين أكثر من بعض زملائه.
أما نائب الرئيس فانس، فحذّر مراراً من تورط الولايات المتحدة في حرب لتغيير النظام، لكن حتى من كانوا يميلون سابقاً لمواقف أكثر تشدداً ضد إيران دعموا جهود ويتكوف الدبلوماسية.
وكان مستشار الأمن القومي حينها، مايك والتز، معروفاً بموقفه الصارم من إيران، لكنه احتفظ بعلاقة عمل جيدة مع ويتكوف، الأكثر ميلاً للسلام.
أما في الجانب الاستخباراتي، فقد كان راتكليف يقدّم المعلومات دون أن ينحاز، والجميع كان يعلم أن تولسي غابارد، مديرة الاستخبارات الوطنية، كانت معارضة بشدة للتدخلات، لكنها نادراً ما فرضت وجهة نظرها على الرئيس.
♦بدء المحادثات
في أبريل، بدأت إدارة ترامب سلسلة مفاوضات في عُمان، قادها ويتكوف من الجانب الأميركي، بمشاركة مايكل أنطون، مدير تخطيط السياسات في الخارجية، وبحلول نهاية مايو، قدم فريق ترامب اقتراحاً مكتوباً للإيرانيين.
دعا الاقتراح إيران إلى وقف جميع أنشطة تخصيب اليورانيوم في نهاية المطاف، واقترح إنشاء كونسورتيوم إقليمي لإنتاج الطاقة النووية بمشاركة إيران والولايات المتحدة ودول خليجية مثل السعودية والإمارات.
بدا ترمب مقتنعا بوجهة نظر الإسرائيليين رغم سعيه للحل الدبلوماسي: امتلاك خيارات عسكرية حقيقية يمنحك قوة تفاوضية.
كانت لدى البنتاغون خطط موجودة أصلاً لضرب مواقع إيران النووية، لكن بعد توليه منصبه في يناير، سمح ترامب للقيادة المركزية الأميركية بالتنسيق مع الإسرائيليين لتحديث هذه الخيارات.
وبحلول منتصف فبراير، طوّر الجنرال مايكل إريك كوريلا، قائد القيادة المركزية، ثلاث خيارات رئيسية بالتعاون مع الإسرائيليين:
1.الحد الأدنى: دعم لوجستي واستخباراتي أميركي لمهمة إسرائيلية.
2.ضربات مشتركة: إسرائيلية-أميركية.
3.مهمة تقودها أميركا بدعم إسرائيلي، تتضمن قاذفات B-1 وB-2، وطائرات من حاملات، وصواريخ كروز من غواصات.
كما كان هناك خيار رابع تم استبعاده بسرعة، وكان يتضمن — بالإضافة إلى الضربات الأميركية الواسعة — غارة كوماندوز إسرائيلية بدعم جوي من مروحيات أميركية من نوع Osprey أو خيارات جوية أخرى.
لكن بينما كان السيد ويتكوف يواصل المفاوضات مع طهران بوساطة من سلطنة عمان، بدأ الإسرائيليون يفقدون صبرهم حيث قام نتنياهو بزيارة سريعة إلى السيد ترامب في البيت الأبيض في شهر أبريل، وضمن طلباته المتعددة، طلب قنبلة خارقة للتحصينات من الولايات المتحدة لتدمير الموقع النووي الإيراني تحت الأرض في فُردو.
لكن ترامب، الذي كان مصمماً في ذلك الوقت على إعطاء فرصة للدبلوماسية، لم يقتنع، وفي الأيام التالية للاجتماع، مارست إدارته ضغوطًا مكثفة لثني الإسرائيليين عن تنفيذ ضربات استباقية ضد إيران.
كانت رسالة فريق ترامب واضحة: “لا يمكنكم القيام بذلك بمفردكم.. هناك الكثير من التبعات علينا” وكانت هذه محادثات متوترة، لكن مستشاري ترامب اعتقدوا أن الإسرائيليين استوعبوا الرسالة.
كان الرئيس قلقًا من أن تقوم إسرائيل بالتصرف منفردة أو أن تقوض جهوده الدبلوماسية إذا لم يعجب نتنياهو مسار الاتفاق. كما كان فريق ترامب قلقًا مما قد يحدث إذا نفذت إسرائيل ضربات ضد إيران دون أن تنجح في تدمير جميع منشآتها النووية.
لكن التخطيط في إسرائيل استمر، مدفوعًا جزئيًا بالقلق من أن إيران كانت تبني بسرعة مخزونها من الصواريخ الباليستية التي يمكن استخدامها في هجمات انتقامية.
وجمعت وكالات الاستخبارات الأمريكية ما يكفي من المعلومات لعرضها على السيد ترامب، ونالت الإحاطات انتباه الرئيس، وأصبحت خلفية للمكالمة الهاتفية المتوترة في أواخر مايو، التي أبدى فيها ترامب استياءه لنتنياهو.
♦نفاد الصبر من الدبلوماسية
في تلك المرحلة، كان السيد فانس يقول للمقربين منه إنه قلق من اندلاع حرب لتغيير النظام، وهو ما اعتبره تصعيدًا خطيرًا يمكن أن يخرج عن السيطرة.
وبات فانس يرى أن صراعًا بين إسرائيل وإيران أصبح أمرًا لا مفر منه. كان نائب الرئيس منفتحًا على احتمال دعم ضربة إسرائيلية محددة، لكن قلقه من أن تتطور إلى حرب طويلة الأمد ازداد كلما اقترب موعد الضربة، وفقًا لأشخاص مطلعين على تفكيره.
ركز فانس جهوده على محاولة إبقاء أمريكا خارج الصراع قدر الإمكان، باستثناء تبادل المعلومات الاستخباراتية، وعمل عن كثب مع الدائرة المقربة من ترامب، بمن فيهم روبيو، وهيغسث، وسوزي وايلز، كبيرة موظفي البيت الأبيض، لوضع خطط طوارئ لحماية أفراد القوات الأمريكية في المنطقة.
ومع دخول شهر يونيو، قال السيد ويتكوف لزملائه إن الولايات المتحدة وإيران على وشك التوصل إلى اتفاق، لكن في يوم الأربعاء 4 يونيو، رفض السيد خامنئي المقترح الأمريكي، وقال مستشارو ترامب إن الرئيس بدأ يشعر أن الإيرانيين لا يأخذون الاتفاق بجدية.
في نفس اليوم، التقى السيد ليفين، المذيع الإذاعي المحافظ، مع ترامب وعدد من مستشاريه في غرفة الطعام المجاورة للمكتب البيضاوي، وقد كان صوتًا مؤثرًا في عرض وجهة نظر معادية لإيران على الرئيس، وبحسب المستشارين، فقد تركت المحادثة أثرًا على ترامب.
بعد الاجتماع، ابلغ ترامب مساعديه بأنه يريد إعطاء محادثات الاتفاق فرصة إضافية، لكن صبره بدأ ينفد ويوم الجمعة، حدد فريقه اجتماعًا يوم الأحد مستفيدا من الخصوصية التي يمنحها منتجع كامب ديفيد.
♦تحول سريع في الموقف
كان ترامب لا يزال يؤكد أهمية إعطاء فرصة للدبلوماسية. وبينما لم يكن هدفه تضليل الإيرانيين بشأن قرب هجوم محتمل من إسرائيل، فإن الاحتمال بأن يُبقي ذلك إيران في حالة تأهب منخفضة كان نتيجة مرحبًا بها، حسب قول مسؤول أمريكي مشارك في المناقشات، لكن يوم الأربعاء الماضي، لم تكن هناك أي مؤشرات على اختراق تفاوضي، وبحلول تلك المرحلة، كان الدائرة المقربة من ترامب تعلم أن الهجوم سيبدأ في اليوم التالي.
في بعض المحادثات الخاصة، شكك ترامب في حكمة القرار الإسرائيلي بشن الهجوم، وقال لأحد المقربين: “لست متأكدًا من بيبي”، مضيفًا أنه قد حذره من تنفيذ الضربات.
انضم ترامب إلى فريقه للأمن القومي في غرفة العمليات بالبيت الأبيض مساء الخميس، بينما كانت الموجة الأولى من الضربات جارية، وكان لا يزال يُبقي خياراته مفتوحة، وقال لمستشاريه وحلفائه في وقت سابق من ذلك اليوم، إنه لا يزال يريد التوصل إلى اتفاق مع إيران.
صدر أول بيان رسمي من الإدارة بعد الضربات عن السيد روبيو، الذي نأى بالولايات المتحدة عن الحملة الإسرائيلية ولم يذكر أي التزام بدعم الحليف، على الرغم من أن مجتمع الاستخبارات الأمريكي كان يقدم الدعم بالفعل، لكن مع مرور الليل، ومع تنفيذ الإسرائيليين سلسلة مذهلة من الضربات الدقيقة ضد قادة عسكريين إيرانيين ومواقع استراتيجية، بدأ ترامب يُغيّر رأيه بشأن موقفه العلني.
عندما استيقظ صباح الجمعة، كانت قناته المفضلة، فوكس نيوز، تبث مشاهد متواصلة تصوّر ما وصفته بعبقرية إسرائيل العسكرية، ولم يستطع ترامب مقاومة رغبته في نسب بعض الفضل لنفسه.
وبدأ ترامب في مكالمات هاتفية مع الصحفيين، يلمّح إلى أنه لعب دورًا أكبر خلف الكواليس في الحرب مما يدركه الناس، وابلغ بعض المقربين أنه بدأ يميل إلى تصعيد أكثر جدية: الموافقة على طلب إسرائيل السابق بتسليم قنابل خارقة للتحصينات لتدمير المنشأة النووية الإيرانية في فردو.
كان ترامب حتى يوم الاثنين الماضي، لا يزال يترك الباب مفتوحًا لاحتمال أن يلتقي ويتكوف أو حتى فانس بمسؤولين إيرانيين في محاولة للتوصل إلى اتفاق تفاوضي، لكن مع مغادرته المفاجئة لقمة مجموعة السبع في كندا للعودة سريعًا إلى واشنطن، لم تكن هناك مؤشرات تذكر على أن النزاع سيتم احتواؤه سريعًا عبر الدبلوماسية.