الجنوب اليمني | متابعات
في الحادي والثلاثين من مايو، أعلنت منظمة البلدان المصدرة للنفط وحلفاؤها (أوبك بلس) أنها ستضخ 411 ألف برميل إضافي يوميًا من النفط الخام في شهر يوليو.
شكّل هذا الإعلان الزيادة الثالثة من نوعها خلال ثلاثة أشهر متتالية، وتعادل نحو 1.2٪ من الطلب العالمي، وتمثل تسارعًا كبيرًا مقارنةً بالخطط التي وُضعت في العام الماضي، والتي كانت تقضي بزيادة الإنتاج بمقدار 122 ألف برميل يوميًا فقط شهريًا.
إنها خطوات كبيرة، لكنها ليست كافية لخفض أسعار النفط.
قد تظن أن أوبك بلس تسيطر بشكل كامل على السوق، فالكارتل، الذي يزود العالم بنصف احتياجاته من النفط، وُجد أساسًا للحفاظ على الأسعار مرتفعة، لكن الواقع مختلف؛ إذ تواجه المنظمة أزمة قد تمثل بداية نهايتها.
لقد اجتازت منظمة أوبك على مدى 65 عامًا من وجودها، العديد من الأزمات، من حروب الخليج وطفرة النفط الصخري في أمريكا إلى انهيار أسعار النفط في زمن الجائحة، لكن الوضع اليوم مختلف، فمع إدراك الدول الأعضاء أن الطلب على النفط قد يبلغ ذروته خلال العقد المقبل، يسعى كل منها إلى تصفية احتياطاته بأسرع ما يمكن.
ويضاف إلى ذلك الحاجة الماسة إلى الإنفاق من أجل تنويع اقتصادات الدول النفطية بعيدًا عن الاعتماد على النفط، ما يدفع بعض الأعضاء إلى انتهاك القاعدة الأساسية للكارتل المتمثلة في عدم تجاوز الكميات المتفق على تصديرها.
ورغم أن السعودية، التي تُعد القوة الضاربة في أوبك، تحاول فرض الانضباط، إلا أن أحد المتمردين الدائمين يحظى بمعاملة خاصة: الإمارات، ثالث أكبر مصدر للنفط في أوبك، وأخطر مهدد لتماسكها.
لفهم الورطة التي تعيشها أوبك، يكفي النظر إلى التبريرات التي قدمها الكارتل لزيادة الإنتاج في الآونة الأخيرة.
التبرير الرسمي — وهو أن “الأسس القوية” تعني أن العالم بحاجة إلى مزيد من النفط — لا يصمد كثيرا امام الوقائع، فحتى المحللين، بمن فيهم أولئك التابعون لأوبك نفسها، خفّضوا توقعاتهم للطلب بسبب الأضرار الناجمة عن الحروب التجارية التي أشعلها دونالد ترامب، فيما تواصل الدول غير الأعضاء في أوبك ضخ المزيد من النفط والعالم حاليا غارق في النفط.
لكن هناك تفسيرات أكثر منطقية لهذه الخطوة. أحدها أن دول الخليج تحاول إرضاء السيد ترامب، الذي يريد بنزينًا رخيصًا في محطات الوقود الأمريكية. وتفسير آخر هو أن المجموعة تحاول استعادة حصص سوقية فقدتها. وثالث يرى في الأمر محاولة من السعودية لمعاقبة الأعضاء الذين لا يلتزمون بحصصهم الإنتاجية.
من الممكن أن تكون الزيادة الثانية البالغة 411 ألف برميل يوميًا — التي أُعلنت قبل أيام من بدء ترامب جولته في الخليج — قد ساعدت السعودية والإمارات على الحصول على مكافآت من “العم سام”، مثل رقائق الذكاء الاصطناعي، لكن “السعودية لا تريد أن تخلق سابقة في الإفراط”، بحسب مسؤول سابق في أوبك.
استعادة الحصص السوقية لن تكون سهلة أيضًا، فمن المتوقع أن يقفز الطلب على النفط بمقدار مليون برميل يوميًا بين مايو وأغسطس داخل دول أوبك فقط، نظرًا للطقس الحار جدًا الذي يرفع استهلاك الكهرباء لأغراض التكييف، ما سيساعد في امتصاص زيادات الإنتاج الحالية، لكن إذا قررت المجموعة ضخ المزيد، فقد تهبط الأسعار إلى ما دون 50 دولارًا للبرميل، وهو ما قد يدفع بعض الأعضاء إلى التمرد.
أوبك بلس ايضاً لاتزال بعيدة كل البعد عن استعادة نفوذها في السوق؛ ففي يونيو، سيظل هدف إنتاجها أقل بنحو 5 ملايين برميل يوميًا مقارنةً بأغسطس 2022، حين بدأت الإعلان عن خفض الإنتاج.
ماذا عن فرض الانضباط؟ العراق، الذي كان أكبر منتج يتجاوز حصته العام الماضي، يبدو أنه خفّض إنتاجه قليلًا رغم أنه لا يسيطر على كل إنتاجه، إذ يقع جزء منه في إقليم كردستان.
أما كازاخستان، التي تجاوزت حصتها بـ 300 ألف برميل يوميًا في أبريل، فهي أكثر تعقيدًا، إذ تهيمن على إنتاجها شركات دولية لا تملك الحكومة سلطة كبيرة عليها.
لكن التحدي الأكبر يبقى الإمارات، فهي تقول لأوبك إنها تنتج 2.9 مليون برميل يوميًا، أي تمامًا ضمن حصتها، وتقديرات أوبك الخاصة — التي تعتمد متوسط تقديرات “المصادر الثانوية” (وهي ثماني شركات استشارية) — لم تنحرف عن هذا الرقم منذ عام 2023 على الأقل.
يستحيل الحصول على رقم مستقل ودقيق، لأن الإمارات توقفت عن نشر بياناتها التفصيلية منذ سنوات، ومع ذلك، تبدو أرقام أوبك منخفضة بشكل غير واقعي: تتبع شحنات الناقلات يشير إلى أن صادرات الخام الإماراتية وحدها تبلغ 2.8 مليون برميل يوميًا، وذلك قبل احتساب أي تكرير محلي أو إضافات للمخزون (وزارة الطاقة الإماراتية لم ترد على طلباتنا للتعليق).
ويعترف المحللون في الأحاديث الخاصة، بأن أرقامهم “معدلة”، ويقول عدد منهم — من بينهم موظف في إحدى شركات المصادر الثانوية — إنهم ينتجون تقديرًا للاستخدام الداخلي وآخر للاستهلاك الخارجي، ويعتقد اثنان منهم أن الإمارات تتجاوز حصتها بما بين 200 إلى 300 ألف برميل يوميًا.
أما وكالة الطاقة الدولية، وهي جهة رسمية للتنبؤات وكانت أوبك قد تخلت عنها كمصدر ثانوي في 2022، فتقدّر إنتاج الإمارات في أبريل بنحو 3.3 مليون برميل يوميًا، ويعتقد بعض المنتجين الأجانب الذين لديهم مكاتب في الإمارات أن كل هذه التقديرات أقل من الواقع.
أحد المحللين المقيمين في الخليج، والذي يزود شركات نفط وطنية ودولية بالبيانات، يقدّر الإنتاج بـ 3.4 مليون برميل يوميًا.
رغم كل ذلك، يواصل الجميع الحفاظ على هذه الرواية في العلن، فبعد التغيير الذي أجرته أوبك في فبراير، حين استبعدت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية كمصدر، أصبحت جميع جهات التقييم الخارجية مؤسسات تجارية، وتعد شركات الاستشارات الأجنبية أوبك وعملاقَيها — أرامكو السعودية وأدنوك الإماراتية — من زبائنها، أما الصحفيون، فيخشون من قطع وصولهم إلى المعلومات.
لماذا تسمح السعودية، رغم علاقتها المتوترة مع الإمارات، بهذا الوضع؟
بات قادة المملكة أكثر برودًا تجاه نظرائهم الإماراتيين في الاجتماعات النفطية، كما يشير أحد المقربين من قادة الخليج، لكنهم لا يستطيعون إظهار غضبهم علنًا.
فالإمارات، بين أعضاء أوبك بلس، تمتلك منذ زمن أطول طاقة احتياطية معطّلة مقارنةً بحصتها من القدرة الإنتاجية الإجمالية، ما يسبب إحباطًا شديدًا في أبو ظبي، وعندما تعافى الطلب العالمي على النفط بعد جائحة كوفيد، أدت خلافات حول الحصص إلى أن تفكر الإمارات مرتين في الانسحاب من أوبك — وهو ما كان من الممكن أن يشكل ضربة قاتلة للكارتل. ونتيجة لذلك، يخشى القادة السعوديون اليوم أن تقدم الإمارات فعلًا على الانسحاب إذا تعرضت لانتقاد جديد.
ويُرجّح أن تزداد التوترات في المستقبل، فالإمارات تهتم بأسعار النفط المنخفضة أقل من السعودية.
ويقول اقتصادي في بنك إماراتي إن الدولة تحتاج إلى سعر يبلغ فقط 50 دولارًا للبرميل لتحقيق التوازن في ميزانيتها، بينما تحتاج جارتها الأكبر، التي تنفق بسخاء على مشاريع عقارية ضخمة، إلى سعر 90 دولارًا للبرميل.
كما ان من المتوقع أن تستثمر الإمارات 62 مليار دولار في إنتاج جديد خلال السنوات الخمس حتى 2027، ما سيرفع قدرتها الإنتاجية إلى 5 ملايين برميل يوميًا، صعودًا من 3.6 ملايين في 2021؛ وتقول شركة أدنوك، التي تضخ معظم نفط الدولة، إن القدرة الإنتاجية اقتربت بالفعل من هذا الهدف قبل عامين من موعده، لكن الحصة المخصصة للإمارات لم تواكب هذا النمو، فقد تفاوضت الإمارات على زيادة قدرها 300 ألف برميل يوميًا تُنفّذ تدريجيًا خلال 18 شهرًا، وفي 28 مايو، حدّدت أوبك بلس موعدًا لمراجعة أشمل للحصص — كانت مقررة أصلًا لهذا العام — لتتم في عام 2027.
لكن من غير المرجح أن تقبل الإمارات بهذا القيد. ويقول محلل لديه علاقات مع حكومتي البلدين إن المسألة مجرد وقت قبل أن يحدث صدام علني بين السعودية والإمارات، وإذا تصاعدت الفوضى نتيجة صراع بين أكبر وأهم مصدّري أوبك، فقد يصبح استمرار عمل الكارتل مستحيلًا.
المصدر: مجلة إيكونوميست البريطانية