الجنوب اليمني | خاص
نشأت ميليشيا الحزام الأمني المدعومة إماراتياً في محافظة لحج على أساس مناطقي بحت، فقد سيطرت منطقة يافع على هذه الميليشيات، سواء من حيث القيادة أو من حيث التجنيد، فلم يسمحوا لأبناء مناطق الحوطة وتبن بالانضمام إلى هذه الميليشيا حديثة النشأة …
مبررات مثل:
أبناء الحوطة وتبن كلهم دواعش وقاعدة، أو خونة يتعاملون مع الدواعش والقاعدة..
بغض النظر عن سوء التعميم والنظرة الدونية التي ينظر بها أبناء مناطق المثلث لأبناء الحوطة وتبن، إلا أنه من المعروف لكل متابع للشأن الأمني في جنوب اليمن أن مناطق مثل يافع هي المناطق التي كان يسرح فيها ويمرح قادة الإرهاب وزعماء التنظيمات.
كان للتعامل المناطقي اليافعي للحزام الأمني مع أبناء مناطق الحوطة وتبن أثراً سلبياً على الميليشيات.
ففي أحداث ٢٠١٩م الدامية بين قوات الشرعية والانتقالي فرت هذه الميليشيات عن بكرة أبيها من محافظة لحج وتوجهت نحو منطقة يافع، وسقطت المحافظة في أيدي العصابات واللصوص وحتى المواطنين البسطاء قاموا باقتحام اللواء الخامس وهو مقر قيادة الحزام الأمني، وتم نهب جميع محتوياته من السلاح والذخيرة والأموال.
بعد تدخل الطيران الإماراتي ضد قوات الشرعية، رجعت ميليشيات الحزام الأمني إلى مركز محافظة لحج وقامت بإجراء انتقامات كثيرة، تنوعت بين القتل والسجن والتعذيب.
التحول اللافت حصل بعد ذلك..
حيث أشار بعض الضباط على صالح السيد بأن يسمح بتجنيد أبناء الحوطة وتبن ضمن ميليشيات الحزام حتى يقوموا بتأمين المنطقة في حال حصول أمر طارئ مستقبلاً، فاستحسن صالح السيد الفكرة ولكنه قرر أن يقوم بتأسيس قوات جديدة يكون قوامها من مديريتي الحوطة وتبن، وهي [قوات التدخل السريع]، واختار لقيادتها شاب من أبناء الحوطة كان على علاقة بتنظيم القاعدة، ولكنه تم تجنيده لصالح التحالف بعد حرب ٢٠١٥م وهو أحمد اللحجي.

بدأ الانقسام هنا، حيث أظهرت القيادات اليافعية الشابة الطائشة عنصريتها ومناطقيتها، فاعترض على القرار كلا من:
– محمد أحمد الفيضي والمعروف باسم ( أبوسام ) وهو [قائد جهاز مكافحة الإرهاب في محافظة لحج].

– صدام محمد حسين الطمع الخلاقي والمعروف باسم (صدام الطمع)، وهو [ قائد كتيبة الطوارئ ومسؤول المداهمات ].

«قائد كتيبة الطوارئ والمداهمات سابقاً»
اعترض الرجلان ومعهم غيرهم على هذا القرار، واشتد الخلاف، والتبرير هو نفس التبرير، “أبناء الحوطة وتبن دواعش”، والقائد المرشح لمنصب قائد كتيبة التدخل السريع هو شاب على ارتباط سابق بالقاعدة.
اشتد النزاع ووصل إلى دوائر عليا في المجلس الانتقالي، ولاحقاً في التحالف ثم تم حسم الأمر بأن يقوم أحمد اللحجي بتأسيس كتيبة التدخل السريع، ويقوم برفع الكشوفات أولاً إلى قائد المكافحة ( أبوسام ) وهو يقوم بدراسة الأسماء ومن يرفضه قائد المكافحة يتم شطبه فوراً.

«قائد كتيبة التدخل السريع في لحج»
تم رفع قائمة الأسماء عدة مرات وكان أبوسام يرفضها تعنتاً، وجرى عليها التعديل عدة مرات.
أخيراً تم اعتماد الكتيبة، وتم تسليح بعض أفرادها وأعطاهم صالح السيد بعض المباني المهجورة في اللواء الخامس لتصبح مقراً للكتيبة .
اغتاظ أبو سام وصدام الطمع كثيراً وزاد غيضهم بمرور الأيام.
– افتعلت عدة حوادث بين الطرفين وصلت حد الانتشار والاشتباك داخل اللواء الخامس بين كتيبة التدخل السريع بقيادة أحمد اللحجي وكتيبة المداهمات بقيادة صدام الطمع.
يستند أحمد اللحجي على محبة صالح السيد له لمساهمته في كشف خلايا الإرهاب في الحوطة، ويستند كذلك على دعم ( عوض اللحجي ) واسمه الحقيقي [ حذيفة المعلم ]، فمن هو حذيفة ؟!
شاب صغير من شباب مديرية الحوطة وتحديداً من حارة ( وحيدة ) يحفظ القرآن الكريم، استقطبه تنظيم القاعدة قبل حرب ٢٠١٥م بوقت قصير، ثم اعتقله صالح السيد في حملة مداهمات الحزام الأمني عام ٢٠١٦م، بعد ذلك أقنعه صالح السيد بالعمل معه ومساعدته في القضاء على القاعدة في لحج ، فكان أكبر خوازيق القاعدة على الإطلاق، وأبناء الحوطة يعرفون هذا الأمر.

المسؤول المالي لصالح السيد سابقاً..
ترقى حذيفة المعلم وأصبح مقرباً جداً من صالح السيد وأطلق عليه اسماً مستعاراً ( عوض ) وما يزال يتعامل بهذا الاسم حتى الآن.
كان محل ثقة صالح السيد ومستودع أسراره وجعله يدير كل أمور المالية الخاصة بالحزام الأمني وإدارة أمن لحج، بل إنه أصبح يحمل [ ختم ] صالح السيد معه، فإذا قام صالح السيد بالتوقيع على أي أوراق من أوراق المعاملات فإنه يقول لأصحاب المعاملات: ( روحوا ختموا الأوراق عند عوض ).
علا شأنه وكبر قدره جداً، حتى زوجه صالح السيد بابنة أخيه، لذلك كان أبو سام يصيح دائماً عند غضبه ويردد: ( صالح السيد مسحور، سحروه أصحاب لحج ).
كان صالح السيد يقوي موقف اللحوج الذين يمثلهم عوض وأحمد اللحجي، وأحمد اسم مستعار وإلا فإن اسمه الحقيقي ( نورالدين ).
كان أكثر ما يزعج أبو سام وصدام الطمع هو ثقة صالح السيد وتصديقه لأي شيء يقوله عوض بدون نقاش، حتى أن صالح السيد وجه ( لطمة ) على وجه أبو سام في عدة مرات يحصل فيها الخلاف والنزاع، وكان يضربه أمام الناس، ولطالما ترك أبو سام عمله وذهب إلى يافع حتى يتوسط بينهم المجلس الانتقالي ويصلح بينهم ويعود أبو سام للعمل.
تأثر موقف أبو سام بوفاة صديقه وشريكه في هذه المواجهات المناطقية ( صدام الطمع ) في منتصف العام ٢٠٢٢م، لكن كتيبة صدام كانت على نفس مواقف قائدها الشاب الذي توفي نتيجة إصابته بفشل كلوي جراء إسرافه في شرب الخمور.
لكن التأثير الأكبر في مسار النزاع المناطقي داخل إدارة أمن لحج كان في شهر إبريل عام ٢٠٢٣م عند وفاة صالح السيد، والذي فارق الحياة بذبحة صدرية أصابته وهو داخل مكتبه باللواء الخامس.
هذه الصدمة التي أصابت الجميع في أمن لحج بالذهول نتيجة لثقل الرجل بينهم، كان وقعها أشد على الفريق اللحجي في الإدارة [حذيفة المعلم وأحمد اللحجي].
ضعف موقف حذيفة المعلم والذي كان يشغل عدة مناصب بالواسطة وبدون تعيين رسمي، فقد أصبح فجأة بدون صلاحيات ولا يملك من أمره شيئاً، وتبعاً لذلك فقد ضعف موقف أحمد اللحجي في مواجهة أبو سام وفريق المكافحة وكتيبة مداهمات صدام الطمع.
مارس أبو سام أساليب صبيانية، فقام بعدة تصرفات انتقامية كان أبرزها إعادته لأي سجين تم الإفراج عنه بواسطة أحمد اللحجي أو حذيفة المعلم، مما سبب إرباكاً للمشهد الأمني في لحج، حتى أن هناك عملية هروب لأربعة سجناء:
1- حمزة عيدروس ( الحوطة ).
2- أحمد الوداد ( الحوطة ).
3- كوبا وهو قائد سرية في كتيبة أحمد اللحجي ( الحوطة ).
4 – أشرف ( المنصورة ، عدن ).
هرب السجناء الأربعة من سجن مكافحة الإرهاب التابع لأبي سام، وتم التكتيم على العملية الغامضة التي حدثت في نهاية العام ٢٠٢٣م، ويتهم فيها أبو سام كلاً من: حذيفة المعلم وأحمد اللحجي بتسهيل هروبهم.
بقي الحال على ما هو عليه حتى قام القائم بأعمال مدير أمن لحج (حسين الجنيدي) [ أبوعارف ] باتخاذ قرار إداري بتعيين ( عبدالهادي علي فرج ) مديراً لإدارة مكافحة المخدرات، وهي إدارة مستحدثة لم تكن موجودة من قبل في محافظة لحج.
بدأ نجم عبد الهادي علي فرج يسطع في محافظة لحج منذ العام ٢٠١٠م كأحد أبرز شباب الحراك نشاطاً وإجراماً، وذلك نتيجة لقرابته الشخصية من القبطان شفيع الحريري وهو القيادي المعروف في الحراك الجنوبي، وشفيع هو خال عبد الهادي.
كان عبد الهادي يذهب للتدريب في معسكرات الحراك الجنوبي في ردفان والضالع هو ورفيقه عواد الشلن، وكان يتلقى التدريبات هناك على يد مجموعة من المدربين أبرزهم:
– عادل الحالمي.
– حسين الجنيدي أبو عارف.
لاحقاً سافر عبدالهادي علي فرج رفقة عواد الشلن وهو حالياً يشغل منصب مدير أمن مديرية الحوطة، سافرا معاً إلى لبنان للتدريب على يد عناصر حزب الله، في فترة التقارب التي كانت بين الحراك وأنصار الله الشيعة.
بعد عودتهما، وخلال فترة الانفلات الأمني الذي سبق حرب ٢٠١٥م انضم عبدالهادي إلى القاعدة ثم داعش، وظهر في أحد إصدارات داعش وهو ينفذ اغتيالات بحق الجنود، وكان ملثماً ويردد التكبير أثناء القتل.
سلم عبد الهادي نفسه للتحالف عن طريق عادل الحالمي في العام ٢٠١٦م وبقي في السجن لسنوات ثم تم الإفراج عنه، فبقي مرتبطاً بعادل الحالمي في عدن، وبعدها عاد إلى محافظة لحج، وكان مقرباً من حسين الجنيدي، وهما مدرباه السابقان.
لمعرفة حسين الجنيدي الجيدة بعبد الهادي وثقته به الدافع الأكبر في تعيينه في منصب مدير مكافحة المخدرات..
رغم الإمكانيات الشحيحة التي أعطيت لعبد الهادي (سيارتين وبعض الأسلحة واعتماد عدد قليل من الجنود) إلا أن أبو سام وجماعة يافع كانوا معترضين على التعيين والذي أرجعوا أسبابه إلى ضعف شخصية أبو عارف حسين الجنيدي.
ضعف شخصية حسين الجنيدي أمر معروف، ولكن هذا الضعف ظهر أمام جميع الأطراف وليس أمام طرف دون آخر، فلم يكن لحسين الجنيدي وهو مدير أمن المحافظ أي سلطة أو تأثير على أبي سام ولا على كتيبة المداهمات على الإطلاق.
خلال هذه الفترة حصل تقارب واجتماعات عديدة بين أحمد اللحجي قائد كتيبة التدخل السريع وعبد الهادي علي فرج مدير إدارة مكافحة المخدرات وعواد الشلن مدير أمن مديرية الحوطة.
يجمع هذه الأطراف الثلاثة نفس التحديات ونفس المصير، فالثلاثة جميعاً من أبناء مديرية الحوطةؤ ويتعرضون للاستهداف الممنهج من قبل التيار اليافعي المناطقي، مما جعلهم يتفقون ويربطون مصيرهم بمصير بعضهم.
الاتفاق قوي ومتين في مواجهة اتفاق مناطقي يافعي قوي أيضاً ومتين.
– وصل مدير أمن لحج الجديد [ ناصر الشوحطي ] وهو شخصية يافعية أيضاً وسلفية الإنتماء، وباستثناء التقسيم المناطقي للمناصب الذي تقوم به الإمارات ويشرف على تنفيذه المجلس الإنتقالي، والذي أصبح معروفاً للجميع بأن منصب مدير أمن لحج من حصة منطقة يافع.
باستثناء ذلك فإن الحقيقة أن ناصر الشوحطي حاول ويحاول أن يكون عقلانياً ويحافظ على مسافة واحدة من الجميع، وقد نجح في تخفيف حدة ( ظهور ) النزاع المناطقي لكنه لم يستطع إنهاءه، فكلا الطرفان اليافعي واللحجي يقومان بالاستقطابات والتحالفات، ويمارسان حروباً من تحت الطاولة ضد بعضهم.
في حال كان هناك أمر فيه مكاسب للفريق اللحجي المناطقي فإن الفريق اليافعي يقوم بإفشاله بكل الطرق والوسائل، وكذلك العكس.
حرب باردة سوف تظهر نتائجها للعلن عاجلاً أو آجلاً.
وهكذا هو الظلم، مرتعه وخيم، وأول من يدفع ثمنه هم الظالمون أنفسهم.