الجنوب اليمني | متابعات
قالت سوريا إنها ستعيد نشر قواتها في محاولة لاستعادة السيطرة بعد أيام من العنف الطائفي في الجنوب، في خطوة قد تفتح فصلًا جديدًا في أخطر أزمة تواجه رئاسة أحمد الشرع الناشئة.
بدأت الأزمة عندما تحول سطو مسلح على شاحنة الأسبوع الماضي على الطريق السريع بين دمشق ومحافظة السويداء الجنوبية إلى أعمال عنف انتقامية بين عشائر بدوية وميليشيات درزية، وتصاعدت الأوضاع عندما اشتبكت القوات الحكومية، التي أُرسلت إلى المحافظة المضطربة لأول مرة منذ سقوط بشار الأسد، مع الميليشيات الدرزية بدلاً من استعادة النظام.
وتقول منظمات حقوقية إن المئات، بمن فيهم مدنيون، قُتلوا خلال أيام من القتال اتُهمت فيها جميع الأطراف بارتكاب فظائع، بما في ذلك الإعدامات الميدانية.
وسلطت الأزمة الضوء على هشاشة سوريا بعد مرور ثمانية أشهر على قيادة الشرع لهجوم متمردين أطاح بالأسد وأنهى حربًا أهلية دامت 14 عامًا، كما هددت بإثارة المزيد من التحريض الطائفي في بلد طالما استغل فيه الأسد الانقسامات الطائفية.
وقد يجد الشرع نفسه مضطرًا إما للتخلي عن طموحه في فرض سيطرة الدولة على الجنوب، مما يقوض مساعيه لتوحيد البلاد، أو مواجهة تصعيد خطير مع إسرائيل.
وقال مسؤول إسرائيلي إن إسرائيل وافقت مؤقتًا على دخول القوات الحكومية إلى السويداء لمدة 48 ساعة “بسبب حالة عدم الاستقرار القائمة”.
ووصف المحلل السوري المقيم في لندن، مالك العبدة، ذلك بأنه “أخطر لحظة في انتقال سوريا وربما أول خطأ كبير يرتكبه الشرع، الذي استفاد حتى الآن من إنجازات في السياسة الخارجية كرفع العقوبات وتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة”، وأضاف: “هذا الموقف سيحدد مستقبل رئاسته”.
وتقيم الطائفة الدرزية، وهي أقلية دينية عربية تُقدر بنحو مليون شخص في لبنان وسوريا والأردن وإسرائيل، علاقة مضطربة مع الحكومات المركزية، وقد كانت تملك دولة شبه مستقلة تحت الانتداب الفرنسي في عشرينيات القرن الماضي قبل أن تُدمج قسرًا في سوريا المستقلة عام 1936.
وتجنبت الطائفة القتال ضد نظام الأسد مقابل احتفاظها بقدر من الحكم الذاتي وميليشياتها المسلحة، لكن رغم ترحيبها بسقوط الأسد، انقسمت قيادتها الدينية إزاء الشرع، بسبب اتهامات لحركته الإسلامية السنية بارتكاب مجازر بحق الدروز واعتبارهم كفارًا ومتعاونين مع النظام.
ورفض الدروز حتى الآن الاندماج في مؤسسات الدولة الجديدة، ولم يسمحوا للقوات الأمنية بدخول السويداء، وتصاعد التوتر إلى عداء بعد اشتباكات في أبريل انتهت باتفاق هش سلّمت بموجبه بعض الميليشيات أسلحة جزئيًا، لكن الحكومة شددت على تسليم أسلحة أكثر مما تم الاتفاق عليه، واستخدمت خطابًا طائفيًا مهينًا.
من جانبها، شنت إسرائيل ضربات متكررة على القوات السورية، بما فيها وزارة الدفاع في دمشق، بذريعة حماية الدروز، وطالبت بانسحاب الشرع من السويداء، مما دفع الولايات المتحدة إلى التدخل لمحاولة التوسط.
واستمرت الاشتباكات بين البدو والدروز حتى يوم الجمعة، وأعلنت السلطات السورية – التي كانت قد أعلنت الانسحاب من السويداء قبل يوم واحد – أنها تستعد للعودة للسيطرة على الوضع، وقال مصدر مطلع: “هذا عمّق انعدام الثقة وأدى ببعض الدروز إلى قطع علاقتهم بالحكومة بالكامل”.
وقد دفعت الاحداث بعض الدروز، الذين كانوا مترددين في السابق تجاه إسرائيل، إلى الاقتراب منها أكثر، واستغلت إسرائيل الفراغ الأمني الذي أعقب سقوط الأسد لتوسيع نفوذها على الحدود وشن ضربات ضد الجيش السوري، وطالبت بنزع سلاح الجنوب بالكامل.
ويُعتبر الزعيم الدرزي السوري حكمت الهجري – الأقرب إلى إسرائيل – من أبرز المطالبين بتقاسم السلطة مع دمشق، وهي أفكار كانت هامشية في السابق لكنها لاقت رواجًا منذ أبريل.
وكانت التوترات قد بلغت ذروتها بحلول وقت السطو الأخير، خاصة أن الجريمة نُسبت لعشائر سنية بدوية لها عداوات قديمة مع الدروز.
وواجهت القوات الحكومية، التي دخلت بصفة “قوات حفظ سلام”، اتهامات بانتهاكات حقوق الإنسان، منها حلق شوارب رجال دروز لإذلالهم، وقال ناشطون حقوقيون محليون إنهم وثقوا منازل محترقة ومنهوبة، وجثثًا في شوارع السويداء، كثير منها مصاب برصاص في الرأس.
وأقر الشرع بوقوع انتهاكات، وقال إن المسؤولين عنها سيُحاسبون، لكن الحادث، الذي يأتي بعد صدامات مشابهة في الساحل في مارس، قد يضر بصورته العسكرية الناشئة في أعين الأقليات، كما قد يعوق جهوده للتقارب مع مجموعات أخرى مثل الأكراد في الشمال الشرقي، الذين يترددون في دمج منطقتهم مع دمشق.
وقال عصام الريس، مستشار عسكري بارز لمؤسسة “إيتانا”: “كان الفهم أن العنف كان دفاعيًا ضد عناصر موالية للأسد في الساحل، لكن ما يحدث الآن مختلف تمامًا”.
وقد أدى اشتعال الكراهية الطائفية إلى دعوات من بعض السنّة السوريين لمقاطعة اقتصادية وحصار على السويداء، مما ينذر بتفكك أكبر، وقال الريس: “الدروز خائفون الآن ويبحثون عن حماية – وقد يقبلونها من أي جهة”.
أما الشرع، الذي ارتبط ماضيه بحركات متطرفة كتنظيم القاعدة، فعليه الآن أن يثبت قدرته على فرض النظام في وجه التهديدات الإسرائيلية.
وكان المجتمع الدولي قد رحب برئاسته، لكنه قد يصبح الآن أكثر ترددًا في التعامل مع حكومته أو تنفيذ خطط الاستثمار الضخمة
وقال مسؤول سوري: “البلاد كانت قريبة من النجاح، الآن قد يُطيح بها هذا الحدث المروّع”.