أبين.. معركة النفوذ و”كعكة الجبايات” بين الفساد والانهيار الأمني.. تقرير خاص لـ”الجنوب اليمني”

4 يوليو 2025آخر تحديث :
أبين.. معركة النفوذ و”كعكة الجبايات” بين الفساد والانهيار الأمني.. تقرير خاص لـ”الجنوب اليمني”

الجنوب اليمني | تقرير خاص

محافظة أبين، التي تمتلك ثروة طبيعية وبنية تحتية استراتيجية جنوب اليمن، أصبحت اليوم نموذجًا صارخًا لكيفية تحوّل الموارد المالية إلى سبب رئيسي في الصراعات الداخلية التي تعصف بمؤسسات الدولة. إذ لم يعد الخلاف مجرد موضوع تنظيمي أو إداري، بل هو حرب على السيطرة المالية التي تمثلها “نقاط الجبايات” التي تُدرّ مئات الملايين شهريًا.

في هذا الصراع، تتشابك المواقف بين أطراف عدة، كل منهم يدّعي حقه في إدارة الشأن الأمني والسياسي، لكنهم في الواقع يتنافسون على حصص من هذه الكعكة المالية، تاركين أبين وشعبها يئنّ تحت وطأة الفساد والانفلات الأمني.

رأس الهرم الفاسد ومُموّل شبكات النهب
المحافظ الحالي لأبين، المفترض أن يكون رمز الإدارة الرشيدة وحارس المال العام، يُتهم بدور محوري في شبكة معقدة من الفساد. فمصادر محلية وتقارير غير رسمية تؤكد أن المحافظ يسيطر على آليات جمع الجبايات بشكل غير قانوني، حيث تُدار المبالغ الضخمة بعيدًا عن الرقابة المالية والقانونية.

من خلال هذا التحكم، لا يقتصر دوره على التربح الشخصي فحسب، بل يتعامل مع موارد المحافظة كأنها ملك خاص، مما يدعم شبكة من المحسوبية والولاءات التي تهدر فرص التنمية، وتعزز من استمرار الفساد كأمر واقع.

هذا الواقع يجعل من المحافظ جزءًا لا يتجزأ من الأزمة المتعمقة التي تواجه أبين، ويثير تساؤلات حول جدوى استمراره في موقعه دون مساءلة حقيقية.

أبو مشعل الكازمي” و “حيدرة السيد” أمن مشلول تحت رحمة المصالح الخاصة..
فيما يتقلد “أبو مشعل الكازمي” منصب مدير أمن المحافظة، ويترأس “حيدرة السيد” الحزام الأمني، يشكل الاثنان قسماً رئيسياً من المنظومة الأمنية التي يفترض بها حفظ النظام، لكن ما يشهده الواقع هو العكس تمامًا.

لقد تحولت الأجهزة الأمنية إلى أدوات بيد أطراف تسعى لإدارة النفوذ أكثر من إدارة الأمن. تترافق اتهامات بالكثير من حالات الفشل في مواجهة الجريمة، وانتشار السلاح المنفلت، بالإضافة إلى استغلال مناصبهما لتقوية مراكز نفوذ على حساب الدولة.

هذه الممارسات لا تؤدي إلا إلى تعميق أزمة فقدان الثقة في المؤسسات الأمنية، وتساهم في تفشي حالة الفوضى التي تعصف بالمحافظة.

أبو زرعة المحرمي لاعب جديد أم مستغل للصراع؟
“أبو زرعة المحرمي”، عضو المجلس الرئاسي وقائد ألوية العمالقة، دخل على خط الصراع بأبعاد جديدة. مطالبته بنقل إدارة نقطة الجبايات إلى السلطة المحلية (المحافظ) تُسوّق كخطوة إصلاحية لتصحيح مسار الموارد المالية، لكن التحليل العميق يظهر أن الأمر ليس سوى محاولة للاستحواذ على هذه الموارد بنفس المنطق الفاسد.

اعتماده على القوة العسكرية لفرض أجندته خارج الإطار القانوني والسياسي يعكس تحوّله من لاعب سياسي إلى فاعل عسكري يحاول أن يفرض نفوذه بالقوة، ما يفاقم الصراعات القائمة ويجعل المؤسسات رهينة للأهواء الشخصية بدلًا من المصلحة العامة.

صراع الجبايات لماذا “الكعكة” تثير كل هذا العراك؟
جبايات أبين تُعتبر قلب الأزمة وأصلها الأساسي. الأموال التي تُجمع من قطاعات متعددة – من التجار إلى المؤسسات، ومن النقل إلى الأنشطة الاقتصادية المختلفة – هي مئات الملايين شهريًا، وفق تقديرات محلية.

لكن بدلاً من أن توظف هذه الأموال في تطوير الخدمات العامة وتحسين البنية التحتية، تحولت إلى مجال للمساومات والصفقات بين قيادات محافظة أبين المختلفة. النقاط التي يتم جمع الأموال منها تُستخدم كأدوات ضغط ونفوذ، ولا يتم توجيهها بشكل قانوني وشفاف.

تداعيات الانفلات الأمني.. المواطن في مرمى النيران
نتيجة للصراعات الداخلية واستمرار الفساد، تشهد أبين تفاقمًا خطيرًا في الأوضاع الأمنية، حيث تنتشر جرائم السطو، والاختطاف، والاغتيالات، دون قدرة فعالة من الأجهزة الأمنية على فرض القانون.

هذا الانفلات لا يؤثر فقط على الأمن الشخصي للمواطنين، بل يمتد ليهدد الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، ويقوض أية جهود يمكن أن تبذل لبناء جنوب يمن مستقر ومزدهر.

غياب المؤسسات القوية والرقابة.. كيف الإصلاح دون أدوات؟
الجانب المؤسسي هو الآخر يعاني بشدة. فغياب آليات الرقابة والمحاسبة الحقيقية يفتح الباب أمام الفساد المستشري. المجلس الانتقالي الذي يفترض أن يكون مظلة سياسية قادرة على توحيد الجنوبيين وتحقيق الإصلاح، بات أداة للصراعات الداخلية، حيث تتصارع قياداته على النفوذ والمال.

بلا مؤسسات راسخة وشفافة، يستمر الحال كما هو، ويزداد تمزيق النسيج الاجتماعي، ويصعب الخروج من دوامة الفوضى والفساد.

المسؤولية الجماعية والإصلاح الممكن
مع تعقيد الأزمة، فإن تحميل طرف واحد مسؤولية الفساد أو الفشل سيكون تبسيطًا مخلًا للواقع. كل من:
_المحافظ
_مدير الأمن أبو مشعل الكازمي
_قائد الحزام الأمني حيدرة السيد
_عضو المجلس الرئاسي أبو زرعة المحرمي
_يتحملون مسؤولية كبيرة في استمرار الأزمة.

والحل يحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية لتشكيل لجنة تحقيق مستقلة، ومساءلة كل متورط، وإعادة هيكلة المؤسسات الأمنية والإدارية بعيدًا عن الحسابات الشخصية والمناطقية.

توصيات استراتيجية للخروج من الأزمة
1. تحرير موارد الجبايات: وضع نظام شفاف وواضح لتحصيل الإيرادات وتوريدها، بعيدًا عن تدخلات القوى العسكرية والفصائلية.

2. تشكيل حكومة محلية مصغرة تضم ممثلين عن كل الأطراف الفاعلة لتقاسم النفوذ بشكل قانوني ومراقب.

3. تعزيز دور المجتمع المدني والإعلام الحر في مراقبة الأداء المالي والإداري.

4. دعم جهود بناء مؤسسات أمنية وطنية مستقلة لا تتحكم بها أجندات شخصية أو فصائل مسلحة.

5. العمل على وحدة الجنوب من خلال حوار سياسي شامل يُخرج المجلس الانتقالي من دائرة الصراعات الداخلية إلى فضاء سياسي متكامل.

الخاتمة: أبين بين أمل التحول ومخاطر الانهيار
تظل أبين اليوم معركة بين أمل التغيير ومخاطر الانهيار الكامل، بين تحولات قد تُعيد بناء الجنوب، وصراعات تهدد بتدمير ما تبقى من مؤسسات.

إذا لم تتحقق إرادة الإصلاح والمساءلة، فإن أبين لن تكون سوى فريسة مستمرة لصراعات النفوذ والفساد، ولن تتاح لأبنائها فرصة العيش في أمن وكرامة.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق