الجنوب اليمني | خاص
تحت سيف “البند السابع”، تسقط عن اليمن سيادتها على أراضيها، وعن سمائها ومائها وبرها وجبالها وكرامة الإنسان فيها، ويسلب منها قرارها وسلطاتها كافة، وتخضع للإشراف الدولي، وتظل فاقدة للأهلية محجوراً عليها قانوناً حسب المواد سيئة الذكر (39 إلى 51) من ميثاق الأمم المتحدة، هكذا يقول الخبراء بالقانون الدولي.
سقطرى اليمنية أحد ضحايا هذا “التسلط الدولي” على دول العالم الثالث التي تعاني من أنظمة حكم إما هشة أو منغمسة بالتواطؤ والتبعية، ومن أنظمة غربية استعمارية تمارس وصاية مباشرة وغير مباشرة على الشعوب المسحوقة الغارقة بالصراعات الداخلية التي تصنعها وتغذيها تلك الدول الغربية ذاتها.

الجزيرة اليمنية الساحرة، فريدة الموقع والميزات والثروات والطبيعة الخلابة، باتت مفصولة عملياً عن جسد اليمن، ومعزولة عن أي سيادة وطنية، وهو “عزل” تعسفي نفذه التحالف السعودي الإماراتي بقسوة، بفصله للجزيرة اليمنية عن انتمائها الوطني، وقطع شرايينها عن أخواتها محافظات اليمن الاخرى، هذا البلد الذي يعيش أسوأ فترات تاريخه الحديث، حسب إجماع غالبية واسعة من اليمنيين والمهتمين والمختصين.
استعادة الدولة نظرياً وتفتيتها عملياً
تخضع محافظة “سقطرى” عملياً تحت إدارة وسيطرة حكومة الإمارات المشاركة بالتحالف العربي، الذي يسمى تحالف إعادة الشرعية لصنعاء، ولقد ترك تحالف الدولتين صنعاء والحوثيين، وتفرغ لاحتلال سقطرى وعدن وحضرموت وشبوة وميون والساحل الغربي، وحشد قواته وأسلحته واتباعه للاستقرار والاسترخاء بتلك المحافظات، والتسابق “بشغف” لاستكشاف خيراتها ومواردها المبهرة، ومن ثم نهبها بانتظام وشحن ما يمكن شحنه عبر سفنهم وطائراتهم من خيرات هذه المدن إلى أبو ظبي والرياض، ونسوا تماماً كذبة “إعادة الشرعية لصنعاء”، او الكذبة الأخرى “إعمار” المحافظات الخاضعة لهم، حسب وعودهم التي ضاعت تماماً وسط انشغالهم بالتسابق للسيطرة على تلك المحافظات، والتفرغ لبناء القواعد العسكرية والمعسكرات على “أطلال” مطارات وموانئ ومنشئات هذه المحافظات التي تسمى مجازاً بالمحررة.

صدمة وحسرة
كان الصحفي المقرب من المجلس الانتقالي “صلاح السقلدي” قد كتب بلحظات صدق قبل سنتين، عن صدمته مما يجري في سقطرى، وقال الرجل حين زار الجزيرة في منتصف أكتوبر 2022 أن مسؤولاً محلياً في سقطرى نقل له بأنه “قبل فترة قصيرة أخذت القوات الإماراتية 90 طناً من الأسماك باهظة الثمن والجودة، ونقلتها إلى الإمارات، وأن مئات الأطنان يتم أخذها دورياً إلى الإمارات بشكل مريب، ليس فقط أسماك ذات نوعية عالية بل حتى قشريات ثمينة مثل الشروخ (الاستاكوزا)”، وأضاف: “زرت جزيرة سقطرى واكتشفت أشياء تثير الحسرة، الثروات السمكية تنهب بشكل مريع”.

واعترف السقلدي بأن “هناك عملية تدمير تتعرض لها الثروة السمكية بشكل مهول من قبل العابثين، سواءً بالصيد الجائر، أو بعدم مراعاة مواسم التكاثر الممنوع الاصطياد فيها، والنيل من المحميات البحرية والشعب المرجانية وسائر الأحياء البحرية، مع العلم أنه حتى الآن لم يتم افتتاح أي مصنع تعليب أو إعادة تأهيل ما هو موجود، برغم الوعود”. انتهى كلام الرجل.
تحت غطاء الإغاثة.. بزنس واستثمار وسرقة الأسماك والثروات
إذن باتت الثروات السمكية تسرق بأريحية تامة بلا رقيب أو حسيب، كون المطار والميناء بأيديهم، وأصبحت محافظة “سقطرى” مستباحة من قبل أبو ظبي، التي صارت اليوم هي المتحكم الأول فيها، حتى الأفواج السياحية تأخذ إذن الدخول إلى سقطرى من داخل مكاتب في الإمارات، بالإضافة إلى مكاتب محدودة بعدن وحضرموت، وهذا يعد انتهاك صارخ للسيادة اليمنية، وأقرب لبلطجة دولة ضد دولة أخرى.
مطار إماراتي وليس يمني
أما حين نذهب لنستكشف واقع مطار عاصمة الجزيرة حديبو، سنجد أن معظم استخداماته هي للإماراتيين، حيث يسيّرون رحلات أسبوعية إلى جزيرتي عبده كوري وسمحة، وكما قال ناشط صحافي فإن هذه الرحلات غالباً تتم دون تنسيق مع وزارة النقل في عدن أو مع الجهات المحلية بالأرخبيل، مثلما لا يتم التنسيق بشأن الرحلات التي يسيرها الطيران الاماراتي من سقطرى إلى القرن الافريقي.

أما المواطنون فلهم فقط رحلة يتيمة أسبوعياً إلى عدن عبر خطوط اليمنية، وليس لهم تواصل جوي مع العالم الخارجي أو الداخل بالمحافظات اليمنية غير هذه الرحلة.
وقد نشرت تقارير عن مصادر سقطرية، أن “مؤسسة خليفة للأعمال الإنسانية” والهلال الأحمر الإماراتي يسيطرون تقريباً على كل المؤسسات الخدمية، بما فيها استيراد المشتقات النفطية والغاز المنزلي والإنترنت والاتصالات، ويتحكمون بالسياحة، ويديرون المطار الدولي الوحيد، كما يسيطرون على الميناء الرئيسي.
نشاط مؤسسة خليفة التجاري الاستثماري في الجزيرة
بالنسبة لملف الخدمات، فمن يوفر البترول والديزل والغاز هي محطة شركة “ادنوك” الإماراتية، وتبيع بأعلى الأسعار وبالدرهم الإماراتي أو ما يوازيه بالسعر المرتفع، أما “شركة النفط اليمنية” فلقد منعت من العمل على أراضي سقطرى، ومات نشاطها هناك.
تبيع “ادنوك” جالون البترول سعة 20 لتر بسعر 37 الف ريال يمني، والديزل بما يقارب 37 ألف، والغاز الأسطوانة الصغيرة بسعر “23500” ريال، والاسطوانة الكبيرة بسعر 47 ألف ريال، وبرغم أن هذه المواد تدخل إلى الميناء مباشرة، ودون جمارك أو نقاط جبايات أو ضرائب، إلا أن “ادنوك” الإماراتية تبيعها للناس بسعر قاسي وباهض.
أما الإنترنت فسعر الباقة 26 ألف ريال صلاحية شهر فقط، وهو سعر خيالي مقارنة لباقي المحافظات اليمنية التي أسعارها أقل بكثير من هذا.
وإلى ملف خدمة المياة، فهو الشيء الإيجابي الوحيد كما أخبرنا مواطنون هناك ،حيث أكدوا أن المياه متوفرة بالعاصمة حديبو وبعض المدن، وتعتبر شبه مجانية، كون المدير آخر من بقي من رجال الدولة ولم يسلمهم إدارة المياة وتكاتف معه بقوة الموظفون والمواطنون.
وبالنسبة للكهرباء، فهي مأساة اليمنيين الأولى خلال العشر السنوات الأخيرة، ولا يمكن لأحد أن يصدق هذه السطور التي سيقرأها الآن، حيث وصلت قيمة فاتورة الكهرباء الشهرية بمحافظة سقطرى، عبر شركة “المثلث الشرقي” التابعة لمؤسسة خليفة الاماراتية المتعهدة بتوفير الكهرباء لمحافظة سقطرى إلى قرابة (1400) درهم إماراتي بالشهر الواحد فقط، وهو مبلغ خرافي وتسعيرة إجبارية فرضت على مواطني الجزيرة المنكوبة، ومن لا يدفع تقطع عليه خدمة الكهرباء، هكذا ببساطة.

وحسب تقارير فإن الإمارات تعمل على تشغيل الكهرباء تجارياً بالأرخبيل منذ سنوات دون اتفاقية معلنة مع الحكومة الشرعية، وسط اتهامات للإماراتيين بالاستيلاء على مقدرات شركة الكهرباء الحكومية والتي اختفت تقريباً بشكل شبه كامل، وتحويلها لصالحها.
وتعد هذه الفواتير الباهضة جداً “استثمارية تجارية” وليست إغاثية أو منحة كما يروجون، حيث ترتقي أسعار الكهرباء لمواطني سقطرى إلى مستوى أسعارها داخل أراضي دولة الإمارات لمواطنيها، لكن مع فارق جوهري أن المواطن الإماراتي يستلم راتب شهري كبير يتجاوز الـ30 ألف درهم بالمتوسط تمنحه إياه حكومته، بينما المواطن السقطري اليمني لا تمنحه حكومة الإمارات غير فواتير باهضة تكسر ظهره، وأسعار وقود وغاز منزلي وانترنت باهضة أقرب للجبايات منها للأسعار والفواتير، وبعض طلاء مدارس وجامعة مستأجرة المبنى، بالمقابل احتلت ميناء الجزيرة ومطارها وأراضي شاسعة من محمياتها الفريدة، وتسرق آلاف الأطنان أسبوعياً من ثرواتها وأسماكها عالية الجودة ومزارعها ومواشيها، وتربح ملايين الدولارات بتفويج السياح عبر مكاتبها وتأشيراتها، باعتبار سقطرى أرض إماراتية.
وبهذا الخصوص كتب مواطنون سقطريون ساخرون من هذا الواقع والفواتير الباهضة قائلين: “عداد مؤسسة خليفة للكهرباء يجري هرولة ويأكل الوحدات كأنه البقر العجاف التي التهمت السبع السمان بحلم الملك وسيدنا يوسف”.
حريات غائبة
وبالنسبة لحرية الرأي، يقول مواطنون سقطريون أنها أصبحت ممنوعة بأمر من ضباط الإمارات الذين تتبعهم سلطة المحافظ، والوقفات والمظاهرات ممنوعة، حتى وقفة التضامن مع غزة خرجت الناس فيها بالقوة رغم المنع ورغم أنف الإماراتيين والمحافظ.
شرعية لا تطالب بسيادتها
كما يقول “خبراء قانون دولي” أن: (أي دولة توضع تحت البند السابع ولا تطالب برفعه قانونياً ولا تسعى لذلك عبر قنواته ومؤسساته الدولية، يصبح الوصي عليها هو من تنصبه، أو من تقترحه، أو من توافق عليه الأمم المتحدة)، وفي حالة اليمن، فتحالف السعودية والإمارات، هما الوصيتان على البلاد بكل زواياها وأركانها، ما لم تطالب اليمن بخروج الدولتين ورفع البند السابع، والمفارقة المؤلمة والصادمة معاً، أن السلطة اليمنية هي من تطلب كل عام رسمياً من الأمم المتحدة، تجديد إبقاء اليمن تحت البند السابع والقرار 2216.

وهذا يجعل بكل وضوح كما يقول قانونيون، لدى الدول الواصية على اليمن بموجب الفصل السابع وهي أمريكا وبريطانيا وقفازاتهما الإقليمية أبو ظبي والرياض حجة قانونية”، مهما ارتفعت صرخات الشعب الرافضة سيظل لدى هؤلاء الأوصياء الأربعة “المبرر والحجة” وفقاً للتفويض الممنوح لهم باستباحة هذا البلد، والذي تمثل أبشع صوره بالعبث بسقطرى بشكل فج، وامتهان كرامة بلد يدعى اليمن لا يملك أدنى وصاية وقرار داخل تراب إحدى أهم محافظاته المهمة المنعزلة بأقصى المحيط.
عشر سنوات بلد بلا سلطة
عشر سنوات تم التفريط بكل شيء، وبيع البلد دون مقابل من قبل قيادات ومسؤولون أقل ما يمكن أن يقال بحقهم أنهم فاقدون للكرامة، تنازلوا عن كل شيء، لم يبقوا حدود وسواتر يستتر بها اليمني، مما شجع تحالف الدولتين للذهاب بعيداً بابتلاعهم لكل مقدرات “بلد” بلا أهل يحمونه وبلا سلطة تدافع عن ترابه وممتلكاته، فذهبت الدولتان إلى المهرة وسقطرى وباب المندب وميون وعدن وبلحاف وكل شبر، ذهبوا إلى أكثر المناطق أمناً واستقراراً وثروة لتبسطان عليها، حيث لا حرب ولا قتال ولا حوثيون يتواجدون هناك.

وقد بباتت الشرعية الموجودة في الخارج معظم الوقت، مجرد سلطة “تصريف أعمال” لا تملك حتى حق التصرف بإدارة ملف الخدمات أو إنقاذ العملة النقدية من السقوط المستمر كما نرى، والدول الأربع عملياً هي من تملك السلطة الفعلية منذ عام ٢٠١٥ وتخضع لها اليمن إداريا وسياسياً وعسكرياً، والتعبير الصحيح أن البلد عملياً واقع تحت الاحتلال.
الإمارات تسرق محميات اليونسكو والسواحل
الإمارات تسرق محميات اليونسكو والسواحل
بالانتقال لملف أراضي سقطرى، فالملف كارثي للغاية، فقد اشترى الإماراتيون أراض واسعة جداً في مواقع تعتبر “محميات طبيعية” واقعة ضمن “قائمة التراث العالمي” لمنظمة اليونسكو، وتضم أشجار نادرة محمية مثل ” شجرة دم الأخوين” بأعداد كبيرة، وتصل مساحة الأرضية الواحدة التي يبسطون عليها داخل المحميات قرابة كيلو × كيلو مربع، رغم القوانين المانعة لأي جهة محلية ولو خارجية شراء أي أراضي داخل المحميات، وهددت “اليونسكو” قبل سنوات قليلة بشطب سقطرى ومحمياتها من قائمة التراث العالمي بعد عمليات البناء والشراء التي مارستها الإمارات فيها، وهذا ما تريده أبو ظبي، إخراج سقطرى من قائمة اليونسكو، لكي تنهب محمياتها وأراضيها بأريحية أكثر وأوسع.

كذلك اشترت جهات تابعة للإمارات أراض على البحر، رغم أن هذا أيضاً ممنوعاً تماماً بقرار مجلس الوزراء اليمني الذي ينص على أن مساحة وعمق 150 متر من البحر هو “ملك للدولة” ويمنع بيعه.

ختاماً
عامة الناس في الجزيرة المنسية “ساخطون” من الوضع المعيشي والخدمي بجزيرتهم، إلا بعض من المنتفعين منهم وهم الأذيال، والبعض الآخر ممن يضطرون للثناء على التواجد الإماراتي كون أهلهم وذويهم مقيمون في الإمارات، لكن يظل الأمل يحدوا مواطنيها بأن يوماً ما ستعود جزيرتهم الخلابة لأحضان أهلها، وسيخرج منها العابثون القادمون من وراء البحار، ويتركوا خلفهم كل شيء نهبوه وبسطوا عليه، سينتهي الغازي الغريب، وستبقى سقطرى لأهلها أبناء الأرض، الذين عبر تاريخهم الطويل العريق لم يخضعوا يوماً لمحتل ولم ولن تقبل بحارهم جيف الغرباء.