الجنوب اليمني: خاص
حضرموت، أكبر محافظة في اليمن من حيث المساحة، تمثل ركيزة استراتيجية هامة في منطقة شبه الجزيرة العربية، وتعد ساحة رئيسية للتنافس والصراع بين مختلف الأطراف المحلية والدولية بسبب موقعها الجغرافي، وثرواتها الطبيعية، وتاريخها الحضاري العريق. في ظل النزاع المستمر في اليمن، تجد حضرموت نفسها تحت دائرة اهتمام واسع من قبل الأطراف المتنازعة سواء كانت محلية أو دولية، لا سيما في سياق التحالف السعودي الإماراتي الذي يسعى كل طرف فيه للهيمنة على الموارد والثروات التي تضمها هذه المحافظة الغنية.
الموقع الاستراتيجي لحضرموت
تقع حضرموت على الساحل الجنوبي الشرقي لليمن، مما يجعلها نقطة ربط هامة بين الخليج العربي وبحر العرب. تتمتع بحضور استراتيجي كبير حيث أنها تمثل مدخلًا مهمًا للبحر الأحمر والمحيط الهندي، مما يجعلها محط أنظار القوى العالمية والمحلية. من خلال سواحلها الممتدة، تستحوذ حضرموت على موقع جغرافي يسهم في حركة الملاحة الدولية، ويجعلها من المناطق ذات الأهمية الكبرى في الأمن الإقليمي.
منذ بداية الحرب في اليمن، أصبحت حضرموت نقطة استقطاب للأطراف المتنازعة الذين يسعون للسيطرة على هذه المنطقة الحيوية، سواء لأسباب عسكرية أو اقتصادية.
الثروات الطبيعية
تعتبر حضرموت واحدة من أغنى المناطق في اليمن من حيث الموارد الطبيعية. فهي تضم أكبر احتياطات النفط في البلاد، بالإضافة إلى الغاز الطبيعي والمعادن مثل الذهب، التي تمثل عمودًا اقتصاديًا هامًا. يتركز فيها العديد من حقول النفط والغاز التي تشكل مصدرًا رئيسيًا للموارد المالية في اليمن.
كما تحتوي حضرموت على مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية الخصبة التي تشتهر بإنتاج المحاصيل الزراعية الاستراتيجية مثل التمر، والقمح، والذرة، والخضروات. هذه الثروات تجعلها هدفًا أساسيًا للصراع، حيث يسعى الأطراف المتنازعة في اليمن إلى السيطرة على هذه المصادر من أجل تعزيز اقتصادهم ودعم قدراتهم العسكرية.
التحالف السعودي الإماراتي والصراع على حضرموت
في إطار الصراع المستمر في اليمن، تتنافس المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة على النفوذ في حضرموت، بسبب أهميتها الاستراتيجية والاقتصادية. كلا البلدين يسعيان إلى تأمين مصالحهما في المنطقة عبر دعم أطراف محلية ومجموعات مسلحة مختلفة.
المملكة العربية السعودية
تسعى السعودية من خلال تحالفها مع الحكومة الشرعية إلى السيطرة على حضرموت كجزء من استراتيجية الدفاع عن حدودها الجنوبية وتحقيق أهدافها في فرض نفوذها على البحر العربي، الرياض تدرك جيدًا أن السيطرة على حضرموت يمنحها نقطة انطلاق استراتيجية في حال حدوث أي تهديدات من قبل الأطراف الأخرى في المنطقة.
دولة الإمارات العربية المتحدة
أما الإمارات، فقد اتخذت موقفًا مختلفًا، حيث تدعم القوى المحلية والمجموعات المسلحة الموالية لها في الجنوب اليمني، بما في ذلك في حضرموت، ومنها المجلس الإنتقالي الجنوبي، والميليشات المسلحة التابعة له، حيث تسعى الإمارات إلى استثمار الموارد الاقتصادية في حضرموت، لا سيما النفط والغاز، وهي تدير بالفعل العديد من الموارد الإقتصادية في حضرموت والجنوب اليمني. علاوة على ذلك، ترغب الإمارات في تأمين وجود طويل الأمد في المنطقة باعتبارها نقطة استراتيجية للأمن الإقليمي ولتعزيز نفوذها في البحر العربي والمحيط الهندي.
التأثيرات على حضرموت وأهلها
في ظل هذا الصراع المستمر، تعاني حضرموت من تبعات النزاع على مختلف الأصعدة. ففي الوقت الذي تنهب فيه الموارد الطبيعية من قبل الأطراف الخارجية، يعاني السكان المحليون من حالة عدم الاستقرار، وانعدام الأمن، والتدهور الاقتصادي والمعيشي وتدهور الخدمات، هذه الصراعات تؤثر بشكل كبير على قدرة حضرموت في الحفاظ على تنميتها المستدامة، كما تؤدي إلى تهميش دورها في إعادة بناء الدولة اليمنية.
من جهة أخرى، تحاول بعض القوى المحلية في حضرموت الحفاظ على استقلاليتها السياسية، وترفض التدخلات الخارجية في شؤونها الداخلية، الأمر الذي يساهم في تعقيد الصراع على المنطقة.
حضرموت ليست مجرد محافظة يمنية عادية، بل هي قلب الاقتصاد الوطني وثروات اليمن، إضافة إلى كونها نقطة استراتيجية بالغة الأهمية في الجغرافيا السياسية للمنطقة. في الوقت الذي يسعى فيه أطراف النزاع اليمني، بما في ذلك دول التحالف السعودي والإماراتي، للسيطرة على هذه الثروات الطبيعية، فإن سكان حضرموت رغم فقرهم و وضعهم المعيشي المتدني، لازالوا يتطلعون إلى مستقبل أكثر استقرارًا يتيح لهم الحفاظ على هويتهم وتحقيق طموحاتهم في ظل تحديات داخلية وخارجية.